صفحة رقم ٣٣٦
وببيان البعث للتخويف بالآجل وإهلاك المرتدين للتخويف بالعاجل لمن كان قلبه جافياً عن النفوذ إلى الآجل.
ولما أهلك كل واحدة من هذه الفرقة فلم يبق من فجارها أحد، وأنجى من أطاعه منهم فمل يهلك منهم أحد، وكان إهلاكه لكل منها بشيء غير ما هلك به الفريق الآخر، فدل كل من ذلك على تمام علمه وكمال قدرته، وكان كمل ما تقدم في هذه السورة من النعم والنقم لكونه كان أتم أوجه الحكم نعمة على كل مؤمن لما فيها من الترغيب في ثوابه والترهيب من عقابه، خاطب سبحانه رأس المؤمنين لأن خطابه له أشد في تذكير غيره فقال مسبباً عما مضى :( فبأيّ آلاء ربك ) أي عطية المحسن إليك التي هي وجه الإنعام والإكرام وهي إشارة المعرفة به سباحنه بمنزلة ظل الشخص من الشخص كما أنه لايتصور ظل إلا لشخص فكذلك فعل الفاعل ولا أثر للمؤثر ) تتمارى ) أي تشك بإجالة الخواطر في فكرك في إراذة هداية قومك بحيث لا تريد أن أحداً منهم يهلك وقدحكم ربك بإهلاك كثير منهم لما اقتضته حكمته، وكان بعض خطرك في تلك الإجالة يشكك بعضاً، ولما تم الكلام على هذا المنهاج البديع والنط الرفيع في حسان البيان للمواعظ والشرع والقصص القديمة والإنذار العظيم التام على وجه معجز من وجوه شتى، أنتج قوله مرغباً مرهباً خاتماً السورة بما بدأ هنا به من ذكره ( ﷺ ) :( هذا ( النبي ( ﷺ ) ) نذير ) أي محذر بليغ التحذير، ولما كانت الرسل الماضون عليهم الصلاة والسلام قد تقررت رسالتهم في النفوس وسكنت إليها القلوب، بحيث أنه لا يسع إنكارها، فكان قد أخبر عن إنكار من كذبهم لأجل تكذيبهم، وإنجائهم وإنجاء من صدقهم لأجل نصرتهم، وكان لا فرق بينه ( ﷺ ) وبينهم في ذلك إلا أن الرحمة به أبلغ وأغلب، مرعباً في اتباعه مرهباً من نزاعه، قال :( من النذر الأولى ( يجب له ما وجب لهم وأنتم كالمنذرين الأولي، فاحذروا ما حل بالمكذبين منهم وارجوا ما كان للمصدقين.
ولما كان كل آت قريباً، وكانت الساعة - وهي ما أنذر به من القيامة ومما دونها - لا بد من إتيانها لما وقع من الوعد الصادق به المتحف بالدلائل التي لا تقبل شكاً بوجه من الوجوه، فكان باعتبار ذلك لا شيء أقرب منها، قال دالاً على ذلك بصيغة الماضي الذي قد تحقق وقوعه وباشتقاق الواقع الفاعل مما منه الفعل :( أزفت الآزفة ) أي دنت الساعة الدانية في نفسها التي وصفت لكم بالفعل بالقرب غير مرة لأنها محط الحكمة وإظهار العظمة، وما خلق الخلق إلا لأجلها، المشتملة على الضيق وسوء العيش من القيامة، وكل ما وعدتموه في الدنيا مما يكون به ظهور هذا الدين وقمع