صفحة رقم ٣٨٧
سائر الممكنات من النبات والجماد والملائكة والسماوات والأرض وما حوتا مما عدا الثقلين على نظام واحد لا تفاوت فيه، وأما الثقلان فأحوالهما لأجل تنازع العقل والشهوات لا تكاد تنضبط، بل تغير حال الواحد منهم في اللحظة الواحد إلى ألوان كثيرة متضادة لما فيهم من المكر وأحوال المغالبة والبغي والاستئثار باللهو بالأمر والنهي، وكان أكرهم يموت بناره من غير أخذ ثأره، واقتضت الحكمة ولا بد أنه لا بد لهم من يوم يجتمعون فيه يكون بينهما فيه الفصل على ميزان العدل، خصهما بالذكر فقال آتياً في النهاية بالوعيد لأنه ليس للعصاة بعد الإنعام والبيان إلا التهديد الشديد للرجوع غلى طاعة الملك الديان، والالتفات في قراءة الجماعة بالنون إلى التكلم أشد تهديداً من قراءة حمزة والكسائي بالتحتية على نسق ما مضى :( سنفرغ ) أي بوعد قريب لا خلف فيه من جميع الشؤون التي ذكرت ) لكم ) أي نعمل علم من يفرغ للشيء فلا يكون له شغل سواه بفراغ جنودنا من الملائكة وغيرهم مما أمرناهم به مما سبقت به كلمتنا ومضت به حكمتنا من الآجال والأرزاق وغير ذلك فينتهي كله ولا يكون لهم حينئذ عمل إلا جمعكم ليقضي بينكم :( أيّه الثقلان ( بالنصفة، والثقل هو ما يكون به قوام صاحبه، فكأنهما سميا بذلك تمثيلاً لهما بذلك إشارة إلى المقصودان بالذات من الخلائق، وقال الرازي في اللوامع : وصفاً بذلك يعظم ذلك شأنهما، كأن ما عداهما لا وزن له بالإضافة إليهما - انتهى.
وهذا كما قال ( ﷺ ) ( إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ) وقال جعفر الصادق : سيما بذلك لأنهما مثقلان بالذنوب.
ولما كان هذا من أجلّ النعم التي يدور عليها العباد، ويصلح بها البلاد، وتقوم بها السماوات والأرض، لأن مطلق التهديد يحصل به انزجار النفس عما لها من الانتشار فيما يضر ولا ينفع، فكيف بالتهديد بيوم الفصل قال :( فبأيّ آلاء ربكما ) أي المحسن إليكما بهذا الصنع المحكم ) تكذبان ( أبنعمة السمع عن اليمين أو بغيرها من إثابة أمل طاعته وعقوبة أمل معصيته، وسمى ابن برجان هذا الإخبار الذي لا نون جمع فيه خطاب القبض يخبر فيه عن موجوداته وما هو خالقه، قال : وذلك إخبار منه عن محض الوحدانية، وما قبله من ) سنفرغ ( ونحوه وما فيه نون الجمع إخبار عن وصف ملكوته وجنوده وهو خطاب البسط.
ولما كان التهديد بالفراغ ربما أوهم أنهم الآن معجوز عنهم أو عن بعض أمرهم، بين بخطاب القبض المظهر لمحض الواحدانية أنهم في القبضة، لا فعل لأحد منهم