صفحة رقم ٤٢٧
إنكار على من سمع أحداً يتكلم في القرآن بما لا يليق ثم لا يجاهره بالعداوة، وأهل الاتحاد كابن عربي الطائي صاحب الفصوص وابن الفارض صاحب التائية أول من صوبت إليه هذه الآية، فإنهم تكلموا في القرآن على وجه يبطل الدين أصلاً ورأساً ويحله عروة عروة، فهم أضر الناس على هذا الدين، ومن يؤول لهم أو ينافح عنهم ويعتذر لهم أو يحسن الظن بهم مخالف لإجماع الأمة أنجس حالاً منهم فإن مراده إبقاء كلامهم الذي لا أفسد للإسلام منه من غير أن يكون لإبقائه مصلحة ما بوجه من الوجوه.
ولما كان هذا الق ) آن متكفلاً بسعادة الدارين، قال تعالى :( وتجعلون رزقكم ) أي حظكم ونصبيكم وجميع ما تنتفعون به من هذا الكتاب وهو نفعكم كله ) أنكم تكذبون ) أي توجدون حقيقة التكذيب في الماضي والحال، وتجددون ذلك في كل وقت به وبما أرشد إليه من الأمور الجليلة وهي كل ما هو أهل للتصديق به وتصفونه بالأوصاف المتناقضة، ومن ذلك ما أرشد إليه من أنه لا فاعل إلا الله تعالى فتقولون أنتم إذا أمطركم ما يرزقكم به : هذا بنوء كذا، معتقدين تأثير ذلك النوء، وإنما هو بالله تعالى، فجعلتم جزاء الرزق وبذل الشكر على لارزق التكذيب، وقال ابن برجان : وضياء يقين جليته، وما أنزلته من السماء من بكرات قدرتها ومن رياح أرسلتها، وسحب ألفتها، تجعلون مكان الشكر على ذلك التكذيب.
ولما أنكر عليهم هذا الإنكار، وعجب منهم هذا التعجيب في أن ينسبوا لغيره فعلاً أو يكذبوا له خبراً، سبب عن ذلك تحقيقاً لأنه لا فاعل سواه قوله :( فلولا ( وهي أداة تفهم طلباً بزجر وتوبيخ وتقريع بمعنى هل لا ولم لا ) إذا بلغت ) أي الروح منكم ومن غيركم عند الاحتضار، أضمرت من غير ذكر لدلالة الكلام عليها دلالة ظاهرة ) الحلقوم ( وهو مجرى الطعام في الحلق، والحلق مساغ الطعام والشراب معروف، فكان الحلقوم أدنى الحلق إلى جهة اللسان لأن الميم لمنقطع التمام، ) وأنتم ) أي والحال أنكم أيها العاكفون حول المحتضر المتوجعون له ) حينئذٍ ) أي حين إذ بلغت الروح ذلك الموضع.
ولما كان بصرهم لكونه لا ينفذ في باطن كالعدم قال :( تنظرون ) أي ولكم وصف التحديث إليه ولا حيلة لكم ولا فعل بغير النظر، ولم يقل : تبصرون، لئلا يظن أن لهم إدراكاً بالبصر لشيء من البواطن من حقيقة الروح وغيرها نحوها ) ونحن ) أي والحال أنا نحن بما لنا من العظمة ) أقرب إليه ) أي المحتضر حقيقة بعلمنا وقدرتنا


الصفحة التالية
Icon