صفحة رقم ٤٢٩
إن لم يكن ثم مدبر لهذا الكون بالإرسال والإنزال وإفاضة الأرواح وقبضها وبعث العباد لدينونتهم على ما فعلوا فيما أقامهم فيه، تمثيل بأفعال الملوك على ما يعهد، فكما أن ملوك الدنيا لا يرسل أحد منهم إلى أحد من رعيته فيأخذه قهراً إلا للدينونة فكيف يظن بملك الملوك غير ذلك، فتكون ملوك الدنيا أحكم منه، فإن كان ليس بتمام القدرة فافعلوا برسله كما تفعلون برسل الملوك، فإنه ربما خلص المطلوب منهم بنوع من أنواع الخلاص بعد بلوغه إلى باب الملك فإرساله سبحانه هو مثل إرسال الملوك غير أنه لتمام ولا ليخفف عنه شيئاً مما هو فيه بغير ما أمر به سبحانه على ألسنة رسله من الدعاء ولاصدقة ولا ليعلم حاله بوجه من الوجوه بل الأمر كما قيل :
إذا غيب المرء استسر حديثه ولم يخبر الأفكار عنه بما يغني
ولما كان التقدير : لا يقدر أحد أصلاً على ردها بعد بلوغها إلى ذلك المحل لأنا نريد جمع الخلائق للدينونة بما فعلوا فيما أقمناهم فيه وأمرناهم به ولا يكون إلا ما تريد، فكما انكم مقرون بأنه خلقكم من تراب وبأنه يعيدكم قهراً إلى التراب ) يلزمكم حتماً أن تقروا بأنه قادر على أن يعيدكم من التراب فإن أنكرتم هذا نعيد الخلائق إلى التراب لنجمعهم فيه ثم نبعثهم منه لنجازي كلاًّ بما يستحق ونقسمهم إلى أزواج ثلاثة ) فأما إن كان ) أي الميت منهم ) من المقربين ) أي السابقين الذين اجتذبهم الحق من أنفسهم فقربهم منه فكانوا مرادين قبل أن يكونوا مريدين، وليس القرب قرب مكان لأنه تعالى منزهه عنه، وإنما هو بالتخلق بالصفات الشريفة على قدر الطاقة البشرية ليصير الإنسان روحاً خالصاً كالملائكة لا سبيل للحظوظ والشهوات عليه، فإن قربهم إنما هو بالانخلاع من الإرادة أصلاً ورأساً، وذلك أنه لا شهوات لهم فلا أغراض فلا فعل إلا أمروا به فلا إرادة، إنما الإرادة للمولى سبحانه وهو معنى
٧٧ ( ) وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ( ) ٧
[ النحل : ٩٠ ] أي مطلق الإرادة في غير أمر من الله، لأن المملوك الذي هو لغيره لا ينبغي ان يكون له شيء لا إرادة ولا غيرها - وفقنا الله تعالى لذلك ) فروح ( اي فله راحة ورحمة ما ينعشه من نسيم الريح ومعنى قراءة يعقوب بالضم طمأنينة في القلب وسكينة وحياة لا موت بعدها ) وريحان ) أي رزق عظيم ونبات حسن بهج وأزاهير طيبة الرائحة.
ولما ذكر هذه اللذاذة، ذكر ما يجمعها وغيرها فقال :( وجنات ) أي بستان جامع للفواكه والرياحين وما يكون عنها وتكون عنه.


الصفحة التالية
Icon