صفحة رقم ٤٥٨
ولما كان التقدير : فمن أقبل على ما ندب إليه من الإقراض الحسن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الله شكور حليم، عطف عليه قوله ذاماً للبخل محذراً منه :( من يتول ) أي يكلف نفسه من الإعراض ضد ما في فطرته من حبة الخير والإقبال على الله ) فإن الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال ) هو ) أي وحده ) الغني ) أي عن ماله وإنفاقه وكل شيء إلى الله مفتقر ) الحميد ) أي المستحق للحمد وسواء حمده الحامدون أم لا، وقراءة نافع وابن عامر بإسقاط هو مفيدة لحصر المبتدأ في الخبر للتعريف وإن كانت قراة الجماعة آكد.
ولما ظهرت الأدلة حتى لم يبق لأحد علة، وانتشر نورها حتى ملأ الأكوان، وعلا علواً تضاءل دون عليائه كيوان، وكان فيما تقدم شرح مآل الدنيا وبين حقيقتها، وأن الأدمي إذا خلي ونفسه ارتكب ما لا يليق من التفاخر وما شاكله وترك ما يراد به مما دعي إليه من الخير جهلاً منه وانقياداً مع طبعه، وكان ختم الآية السابقة ربما أوهم المشاركة، قال تعالى نافياً ذلك في جواب من توقع الإخبار عن سائر الأنبياء : هو أوتوا من البيان وما أزال اللبس، مؤكداً لإزالة العذر بإقامة الحجج بإرسال الرسل بالمعجزات الحاضرة والكتب الباقية، معلماً أن من أعرض كلف الإقبال بالسيف، فإن الحكيم العظيم تأبى عظمته وحكمته أن يخلي المعرض عن بينة ترده عما هو فيه، وقسر يكفيه بما لهم بنا من الاتصال من الملائكة إلى الأنبياء على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام، ومن الأنبياء إلى الأمم ) بالبينات ) أي الموجبة للإقبال في الحال لكونها لا لبس فيها أصلاً، ودل على عظمة أنبيائه علهيم الصلاة والسلام بأنهم لعلو مقاماتهم بالإرسال كأنهم أتو إلى العباد من موضع عال جداً فقال :( وأنزلنا ( بعظمتنا التي لا شيء أعلى منها ) معهم الكتاب ) أي الحافظ في زمن الاستقبال في الأحكام والشرائع.
ولما كان فهم الكتاب ربما أشكل فإنه يحتاج إلى ذهن صقيل وفكر طويل، وصبر كبير وعلم كثير - قال الرازي : وبهذا قيل : لولا الكتاب لأصبح العقل حائراً ولولا العقل لم ينتفع بالكتاب، عقبه بما يشترك في معرفته الكبير والصغير، والجاهل والنحرير، وهو أقرب الأِياء إلى الكتاب في العلم بمطابقة الواقع لما يرد فقال :( والميزان ) أي العدل والحكمة، ولعله كل ما يقع به التقدير حساً أو معنى، وتعقيبه به إشارة إلى أن عدم زيغه لعدم حظ ونحوه، فمن حكم الكتاب خالياً عن حظ نفس وصل إلى المقصود ) ليقوم الناس ) أي الذين فيهم قابلية التحرك إلى المعالي كلهم ) بالقسط ) أي العدل الذي لا