صفحة رقم ٤٩٣
الاستدراج بالإملاء مجددين قولهم مواظبين عليه ) في أنفسهم ( من غير أن يطلعوا عليه أحداً :( لولا ) أي هلا ولم لا ) يعذبان الله ) أي الذي له الإحاطة بكل شيء على زعم من باهانا ) بما نقول ( مجددين مع المواظبة إن كان يكرهه - كما يقول محمد ( ﷺ ).
ولما تضمن هذا علمه سبحانه وتعالى بهذه الجزئية من هؤلاء القوم ثبت بذلك علمه سبحانه بجميع ما في الكون، لأن نسبة الكلم إليه على حد سواء، فإذا ثبت علمه بالبعض ثبت علمه بالكل فثبتت قدرته على الكلم فكان على كل شيء شهيداً، قال مهدداً لهم مشيراً إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يقول مثل هذا إلا إن كان قاطعاً بأنه لا يحصل له عذاب، أو يحصل له منه ما لا يبالي به ثم يرده بقوته :( حسبهم ) أي كفايتهم في الانتقام منهم وفي عذابهم ورشقهم بسهام لهيبها ومنكئ شررها وتصويب صواعقها ) جهنم ) أي الطبقة التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة والتكره والفظاظة.
فإن حصل لهم في الدنيا عذاب كان زيادة على الكفاية، فاستعجالهم بالعذاب محض رعونة ) يصلونها ) أي يقاسون عذابها دائماً إني أعددتها لهم.
ولما كان التقديرية فإنهم يصيرون إليها ولا بد، تسبب عنه قوله :( فبئس المصير ) أي مصيرهم، وسبب ذلك أن اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون يوهمونهم أنهم يتناجون فيما يسوءهم فيظنون أنه بلغهم شيء من إخوانهم الذين خرجوا في السرايا غزاة في سبيل الله من قتل أو هزيمة فيحزنهم ذلك، فشكوا ذلك إلى رسول الله ( ﷺ ) فنهاهم عن التناجي في هذه الحالة فلم ينتهوا، وروى أحمد والبزاز والطبراني بإسناد - قال الهيثمي في المجمع إنه جيد لأن حماداً مسع من عطاء بن السائب في حالة الصحة - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله ( ﷺ ) : سام عليك.
ثم يقولون في أنفسهم : لولا يعذبنا الله بما نقول، فنزلت.
وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال عند ذلك :( إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا ) وعليك (.
ولما نهى عن النجوى وذم على فعلها وتوعد عليه فكان ذلك موضع أن يظن أن النهي عام لكل نجوى وإن كانت بالخير، استأنف قوله منادياً بالأداة التي لا يكون ما بعدها له وقع عظيم، معبراً بأول أسنان الإيمان باقتضاء الحال له :( يا أيها الذين آمنوا (


الصفحة التالية
Icon