صفحة رقم ٤٩٤
أي ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة ) إذا تناجيتم ) أي قلع كل منكم الكلام من نفسه فرفعه وكشفه لصاحبه سراً ) فلا تتناجوا ) أي توجدوا هذه الحقيقة ظاهرة كتناجي المنافقين ) بالإثم ) أي الذنب وكل فعل يكتب بسببه عقوبة.
ولما عم خص فقال :( والعدوان ) أي الذي هو العدو الشديد بما يؤذي وإن كان العادي يظن أنه لا يكتب عليه به إثم.
ولما كان السياق لإجلال النبي ( ﷺ ) مع أنه لا تعرف حقيقة الإثم إلا منه قال تعالى :( ومعصيت الرسول ) أي الكامل في الرسلية فإن ذلك يشوش فكره فلا يدعه يبلغ رسالات ربه وهو منشرح الصدر طيب النفس.
ولما علم أن نهيهم إنما هو عن شر يفسد ذات البين هو ما لا يريدون إطلاع النبي صلى الله عليه، صرح بقوله حثاً على إصلاح ذات البين لأن خير الأمور ما عاد بإصلاحها، وشر الأمور ما عاد بإفسادها :( وتناجوا بالبر ) أي بالخير الواسع الذي فيه حسن التربية، ولما كان ذلك قد يعمل طبعاً، حث على القصد الصالح بقوله :( والتقوى ( وهي ما يكون في نفسه ظاهراً أنه يكون سترة تقي من عذاب الله بأن يكون مرضياً لله ولرسوله.
ولما كانت التقوى أم المحاسن، أكدها ونبه عليها بقوله :( واتقوا الله ) أي اقصدوا قصداً يتبعه العمل أن تجعلونا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية، ولما كانت ذكرى الآخرة هي مجمع المخاوف ولا سيما فضائع الأسرار على رؤوس الأشهاد قال :( الذي إليه ) أي خاصة ) تحشرون ) أي تجمعون بأيسر أمر وأسهله بقهر وكره، وهو يوم القيامة، فيتجلى فيه سبحانه للحكم بين الخلق والإنصاف بينهم بالعدل ومحاسبتهم على النقير والقطمير لا يخفى عليه خافية ولا تقي منه واقية تنكشف فيه سرادقات العظمة، ويظهر ظهوراً تاماً نفوذ الكلمة، ويتجلى في مجالي العز سطوات القهر، وتنبث لوامع الكبر، فإذا فعلتم ذلك مستحضرين لذلك لم تقدموا على شيء تريدون إخفاءه من النبي ( ﷺ )، فيكون ذلك لعينه وأطهر لكم.
ولما شدد سبحانه في أمر النجوى وكان لا يفعلها إلا أهل النفاق، فكان ربما ظن ظان أنه يحدث عنها ضرر لأهل الدين، قال ساراً للمخلصين وغاماً للمنافقين ومبيناً أن ضرررها إنما يعود عليهم :( إنما النجوى ) أي العهودة وهي المنهي عنها، وهي ما كره صاحبه أن يطلع عليه رسول الله ( ﷺ )، وقيل : ما خيله الشيطان من الأحكام المكروهة للإنسان ) من الشيطان ) أي مبتدئه من المحترق بطرده عن رحمة الله تعالى فإنه الحامل عليها بتزيينها ففاعلها تابع لأعدى أعدائه مخالفة لأوليائه.
ولما بين أنها منه، بين الحامل له على تزيينها فقال :( ليحزن ) أي الشيطان ليوقع


الصفحة التالية
Icon