صفحة رقم ٤٩٧
بقوله مرغباً مرهباً :( والله ) أي والحال أن المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) بما تعملون ) أي حال الأمر وغيره ) خبير ) أي عالم بظاهره وباطنه، فإن كان العلم مزيناً بالعمل بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وتصفية الباطن كانت الرفعة على حسبه، وإن كان على غير ذلك فكذلك، وقدم الجار ومدخوله وإن كان علمه سبحانه بالأشياء كلها على حد سواء تنبيهاً على مزيد الاعتناء بالأعمال، لا سيما الباطنة من الإيمان والعلم اللذين هما الروح الأعظم، لأن المقام لنزول الإنسان عن مكانه بالتفسح والانخفاض والارتفاع، ولا يخفى ما في ذلك من حظ النفس الحامل على الجري مع الدسائس، فكان جديراً بمزيد الترهيب، وسبب الآية أن أهل العلم لما كانوا أحق بصدر المجلس لأنهم أوعى لما يقول صاحب المجلس، كان النبي ( ﷺ ) يقول :( ليليني أولوا الأحلا منكم والنهى )، وكان ( ﷺ ) يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء أناس من أهل بدر منهم ثابت بن قيس بن شماس وقد سبق غيرهم إلى المجلس فقاموا حيال النبي ( ﷺ ) فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فرد عليهم النبي ( ﷺ ) ثم سلموا على القوم فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفعلوا فقال لمن حوله من غير أهل بدر : قم يا فلان وأنت يا فلان، فأقام من المجلس بقدر القادمين من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم، وعرف النبي ( ﷺ ) الكراهية في وجوههم، فقال المنافقون : ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل، فوالله ما عدل على هؤلاء، إن قوماً أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه مكانهم، فأنزل الله هذه الآية، وكان النبي ( ﷺ ) يقول :( لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن افسحوا يفسح الله لكم ) رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الحسن : بلغني أن رسول الله ( ﷺ ) كان إذا قاتل المشركين فصف أصحابه رضي الله عنهم للقتال تشاحوا على الصف الأول فيقول الرجل لإخوانه : توسعوا لنلقى العدو فنصيب الشهادة، فلا يوسعون له رغبة منهم في الجهاد والشهادة، فأنزل الله هذه الآية، وهي دالة على أن الصالح إن كره مجاورة فاسق منع من مجاورته لأنه يؤذيه ويشغله عن كثير


الصفحة التالية
Icon