صفحة رقم ٥٣٠
الآية أن النبي ( ﷺ ) إلى بني النضير :( اخرجوا من بلدي ولا تساكنوني، قد هممتم بالغدر بن وقد أجلتكم عشراً، فمن رئي بعد لك منكم ضربت عنقه ) فأرسل إليهم ابن أبي بما تقدم.
ولما كان قولهم هذا كلاماً يقضي عليه سامعه بالصدق من حيث كونه مؤكداً مع كونه مبتدأ من غير سؤال فيه، بين حاله سبحانه بقوله :( والله ) أي يقولون ذلك والحال أن المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) يشهد ( بما يعلم من بواطنهم في عالم الغيب.
ولما كان بعض من يسمع قولهم هذا ينكر أن لا يطابقه الواقع، وكان إخلافهم فيه متحققاً في علم الله، أطلق عليه ما لا يطلق إلا على ما كشف الواقع عن أنه غير مطابقة، فقال تشجيعاً دلائل النبة لأنه إخبار بمغيب بعيدة عن العادة بشهادة ما ظننتم أن يخرجوا فحققه الله عن قريب.
ولما كان الكذب في قولهم هذا كونه إخباراً بما لا يكون، شرحه بقوله مؤكداً بأعظم من تأكيدهم :( لئن أخرجوا ) أي بنو النضير من أي مخرج كان ) لا يخرجون ) أي المنافقون ) معهم ) أي حمية لهم لأسباب يعلمها الله ) ولئن قوتلوا ) أي اليهود من أي مقاتل كان فكيف بأشجع الخلق وأعلمهم ( ﷺ ) ) لا ينصرونهم ) أي المنافقون ولقد صدق الله وكذبوا في الأمرين معاً : القتال والإخراج، لا نصروهم ولا خرجوا معهم، فكان ذلك من أعلام النبوة، وعلم به من كان شاكاً فضلاً عن الموقنين، صدق الكلام على ما لم يكن ولا ليكون في قوله تعالى :( ولئن نصروهم ) أي المنافقون في وقت من الأوقات ) ليولن ) أي المنافقون ومن ينصرونه، وحقرهم بقوله :( الأدبار ( ولما كان من عادة العرب الكر بعد الفر، بين أنهم لا كرة لهم بعد هذه الفرة وإن طال المدى فقال :( ثم لا ينصرون ) أي لا يتجدد لفريقيهم ولا لواحد منهما نصرة في وقت من الأوقات، وقد صدق سبحانه لم يزل المنافقون واليهود في الذل ولا يزالون.
ولما كان ربما قيل : إن تركهم لنصرهم إنما هو لخوف الله أو غير ذلك مما يحسن وقعه، علل بما ينفي ذلك ويظهر أن محط نظرهم المحسوسات كالبهائم فقال مؤكداً له لأجل أن أهل النفاق ينكرون ذلك وكذا من قرب حاله منهم :( لا أنتم ( أيها المؤمنون ) أشد رهبة ) أي من جهة الرهبة وهو تمييز محول عن المبتدأ أي لرهبتكم الكائنة فيهم