صفحة رقم ٥٤٢
فلم يصح منهم كبر، ولا شرع لهم تكبر، فلم يكن للخلق منهم حقيقة حظ ولا لبس حق، فاختص بهذا الاسم لاستيلائه على الظواهر بإظهار ما لهم من الكبر لعدم الحاجة إلى شيء وبإلجاء غيره إلى الاحياج إليه والإيقاع بجبابرتهم وإذلالهم وغير ذلك من الأمور المزعجة المرهبة من غير مبالاة بشيء كما اختص بالجبار لاستيلائه على البواطن.
ولما تقرر بما ذكر من مظاهر عظمته استيلاؤه على الظواهر والبواطن باللطف والعنف، أنتج ذلك تعاليه عن شوب نقص لا سيما بالشرك فقال سبحانه :( سبحان الله ) أي تنزه الملك الأعلى الذي اختص بجميع صفات الكمال تنزهاً لا تدرك العقول منه أكثر من أنه علا عن أوصاف الخلق فلا يدانيه شيء من نقص ) عما يشركون ) أي من هذه المخلوقات من الأصنام وغيرهما مما في الأرض أو في السماء من كبير وصغير.
وجليل وحقير.
ولما تم دليل الوحدانية بما حل من التفهيم بالتدني إلى الملك ثم بالتعلي إلى التكبر فأنتج هذه الخاتمة، ابتدأ سبانه دليلاً آخر هو في غاية التنزل والوضوح، فقال مفتتحاً بما افتتح به الأول من الترتيب في المراتب الثلاث، غيب الغيب ثم الغيب ثم الظهور على مراتبه، إعلاماً بأنه لا براح عن الإيمان بالغيب، ومن برح عنه هلك ) وهو ) أي الذي لا شيء يستحق أن يطلق عليه هذا الضمير غيره لأن وجوده من ذاته ولا شيء غيره إلا وهو ممكن فهو أهل لأن لا يكون فلا يكون له ظهور لكيون له بطون.
ولما ابتدأ بهذا الغيب المحض الذي هو أظهر الأشياء، أخبر عنه بأشهر الأسماء الذي لم يقع فيه شركة بوجه فقال :( الله ) أي الذي ليس له سمي فلا كفوء له فهو المعهود بالحق فلا شريك له بوجه.
ولما بدأ سبحانه بهذا الدليل الجامع بين الغيب الذي لا خالق على الحقيقة إلا هو لأن الخلق فرض حد وقدر في مطلق منه لم يكن فيه بعد حد ولا قدر كالحاذي يخلق أي يقدر في الجلد حداً وقدراً لنعل ونحوه وهو سابق للفري والبري ونحو ( سبق العلم العمل ) فالخالق في الحقيقة هو الذي كل شيء عنده بمقدار، الذي يقول
٧٧ ( ) يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق ( ) ٧
[ الزمر : ٦ ] ) وإن الفرق والترتيب، ومن ناشئة الفرق والترتيب الإحياء والإماتة، ومن معاد الفرق والإحياء والإماتة على أو لأمره الجمع والرب، فلا يملك الخلق والفرق إلا من يملك الجميع والرب، وقد أوتي الحق ملكة ما في الفرق والشتات، ولم يملكوا جميع ما فرقوا ولا


الصفحة التالية
Icon