صفحة رقم ٥٦٠
ولما علم الحال من هذا وما في أول السورة، أتبعه التصريح بما أفاده مجموعاً أحسن جمع مصوراً أحسن تصوير فقال تعالى :( إنما ينهاكم الله ) أي الذين له الإحاطة الكاملة علماً وقدرة ) عن الذين قاتلوكم ( متعمدين لقتالكم كائنين ) في الدين ( ليس شيء من ذلك خارجاً عنه، لتكون العداوة في الله ) وأخرجوكم من دياركم ) أي بأنفسهم لبغضكم ) وظاهروا ) أي عاونوا غيرهم ) على إخراجكم ( ولما تناول هذا المقصودين صريحاً، وكان النهي الذي موضعه الأفعال قد علق بأعيانهم تأكيداً له، عرف بالمقصود بقوله :( أن ) أي إنما ينهاكم عن المذكورين في أن ) تولوهم ) أي تكلفوا فطركم الأولى أن تفعلوا معهم جميع ما يفعله القريب الحميم الشفيق فتصرحوا بأنهم أولياؤكم وتناصروهم ولو كان ذلك على أدنى الوجوه - بما أشار إليه إسقاط التاء.
ولما كان التقدير : فمن أطاع فأولئك هم المفلحون، عطف عليه قوله :( ومن يتولّهم ) أي يكلف نفسه الحمل على غير ما يدعو إيله الفطرة الأولى من المنابذة، وأطلق ولم يقيد ب ( منكم ) ليعم المهاجرين وغيرهم والمؤمنين وغيرهم :( فأولئك ) أي الذين أبعدوا عن العدل ) هم ) أي خاصة لا غيرهم العريقون في أنهم ) الظالمون ) أي العريقون في إيقاع الأشياء في غير مواضعها كمن يمشي في مأخذ الاشتياق بسبب هذا التولي.
ولما كان نزول هذه الآيات الماضية في التفح الأعظم حين قصد النبي ( ﷺ ) سنة ثمان المسير بجنود الله إلى مكة المشرفة - شرفها الله تعالى - لدخولها عليهم بالسيف حين نقضوا بقتالهم لخزاعة الذي كانوا قد تحيزوا إلى النبي ( ﷺ ) فكانوا في عقده وعهده في صلح الحديبية الذي كان سنة ست على وضع الحرب بينهم وبين النبي ( ﷺ ) ومن دخل في عقه، وكان من لك الصلح أن من جاء إلى النبي ( ﷺ ) من قريش ومن دخل في صلحهم رده إليهم وإن كان مسلماً، ومن جاءهم من كان مع النبي ( ﷺ ) لم يردوه إليه بحيث قام من ذلك وقعد كثير من الصحابة رضي الله عنه من إعظمهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى سكنه الصديق رضي الله عنه بما وقر في صدره من الحكم، ورد إليهم ( ﷺ ) أبا بصير رضي الله عنه، وكان رده غليهم للوفاء بالعهد بسبب التصديق لقوله ( ﷺ ) ( أما من جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ) وقصته في ذلك كله مشهورة، وكانت ( من ) من صيغ العموم، وكانت دلالة العام قطعية


الصفحة التالية
Icon