صفحة رقم ٦٠٨
أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ ) ٧٣
( ) ٧١
ولما كانت المعاصي تعمي القلب فكيف بأعظمها، علله بقوله :( ذلك ) أي الأمر العظيم في البعد من الخير من الكذب بالإخبار بالشهادة والحلف على الصدق والصد عن السبيل والوصف لعملهم بالسوء ) بأنهم آمنوا ) أي بسبب أنهم أقروا بالإيمان بألسنتهم منغير مطابقة لقلوبهم.
ولما كان الكفر مستبعداً فكيف إذا كان بعد الإقرار، عبر بأداة البعد لذلك ولتفهم الذم على التعقيب من باب الأولى، ولئلا بتوهم أن الذم إنما هو على تعقيب الإيمان بالكفر فقط، لا على مطلقه، فالعبير بثم يفهم أن من استمر طول عمره على الإيمان ثم كفر قبل موته بلحظة كان له هذا الذم فقال :( ثم كفروا ) أي سراً فهابوا الناس ولم يهابوا الله.
ولما كان مجرد الطبع على القلب في غاية البشاعة، كان مفهماً لبشاعة ما كان منه من الله من باب الأولى، بني للمجهول قوله :( فطبع ) أي فحصل الطبع وهو الختم مع أنه معلوم أنه لا يقدر على ذلك غيره سبحانه ) على قلوبهم ( لأجل اجترائهم على ما هو أكبر الكبائر على وجه النفاق حتى مرنوا على الكفر واستحكموا فيه، وكذلك من ترك الجمعة ثلاثة مرات تهاوناً بها ) فهم ) أي فتسبب عن ذلك أنهم ) لا يفقهون ) أي لا يقع لهم فقه في شيء من الأشياء فهم لا يميزون صواباً من خطأ ولا حقاً من باطل لأن المختوم عليه لا يصل إليه شيء ولا يخرج منه شيء.
ولما وصف سبحانه بواطنهم بما زهد فيهم لأن الإنسان بعقله كما أن المأكول بشكله، وكانت لهم أشكال تغز ناظرها لأن العرب كانت تقول : جمال المنظر يدل غالباً على حسن المخبر، قال تعالى :( وإذا رأيتهم ) أي أيها الرسول على ما لك من الفطنة ونفوذ الفراسة أو أيها الرائي كائناً من كان بعين البصير ) تعجبك أجسامهم ( لضخامتها وصباحتها، فإن غايتهم كلهم بصلاح ظواهرهم وترفيه أنفسهم، فهم أشباح وقوالب ليس وراءها ألباب وحقائق، قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان ابن أبي - يعني - الذي نزلت السورة بسببه - جسيماً فصيحاً صحيحاً ذلق اللسان، وقوم من المنافقين في مثل صفته وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله ( ﷺ ) ويستندون فيه ولهم جهارة المناظرة وفصاحة الألسن، وكان رسول الله ( ﷺ ) ومن حضر يعجبون بهياكلهم.
ولما وصف البواطن والظواهر، وكان قوله : المرء بأصغيره قلبه ولسانه مشروطاً كما


الصفحة التالية
Icon