صفحة رقم ١٤٥
ولما كان سؤالهم من وقت مجيء الساعة والعذاب الساعة والعذاب وطلبهم تجيل ذلك إنما هو استهزاء، ضمن ( سأل ) استهزاء ثم حذفه ودل عليه بحال انتزعها منه وحذفها ودل عليه بما تعدى به فقال، أو انه حذف مفعول السؤال المتعدي ( بعن ) ليعم كل مسؤول عنه إشارة إلى أن من تأمل الفطرة الأولى وما تدعو إليه من الكمال فأطاعها فكان مسلماً فاضت عليه العلوم، وبرقت له متجلية أشعة الفهوم، فبين المراد من دلالة النص بقوله :( بعذاب ) أي عن يوم القيامة بسبب عذاب أو مستهزئاً بعذاب عظيم جداً ) واقع ( وعبر باللام تهكماً منهم مثل ) فبشرهم بعذاب ( فقال :( للكافرين ) أي الراسخين في هذا الوصف بمعنى : إن كان لهم في الآخرة شيء فهو العذاب، وقراءة نافع وابن عامر بتخفيف الهمزة أكثر تعجيباً أن اندفاع فمه بالكلام وتحركت به شفتاه لأنه مع كونه يقال : سال يسأل مثل خاف يخاف لغة في المهموز يحتمل أن يكون من سأل يسأل، قال البغوي : وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي ( ﷺ ) بالعذاب قالوا : من أهل هذا العذاب ولمن هو ؟ سلوا عنه، فأنزلت.
ولما أخبر بتحتم وقوعه علله بقوله :( ليس له ) أي بوجه من الوجوه ولا حيلة من الحيل ) من الله ) أي الملك الأعلى الذي لا كفؤ له فلا أمر لأحد معه، وإذا لم يكن له دافع منه لم يكن دافع من غيره وقد تقدم الوعد به، ودلت الحكمة عليه فتحتم وقوعه وامتنع رجوعه.
ولما كان القادر يوصف بالعلو، والعاجز يوسف بالسفول والدنو، وكان ما يصعد فيه إلى العالي يسمى درجاً، وما يهبط فيه إلى السافل يسمى دركاً، وكانت الأماكن كلها بالنسبة إليه سبحانه على حد سواء، اختير التعبير بما يدل على العلو الذي يكنى به عن القدرة والعظمة، فقال واصفاً بما يصلح كونه مشيراً إلى العديل :( ذي المعارج ) أي الدرج التي لا انتهاء لها أصلاً - بما دلت عليه صيغة منتهى الجموع وهي كناية عن العلو، وسيمت بذلك لأن الصاعد في الدرج يشبه مشية الأعرج، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها السماوات، ودل على ما دلت عليه الكثرة مع الدلالة على عجيب القدرة في تخفيفها على الملائكة بقوله :( تعرج الملائكة ) أي وهم أشد الخلق وأقدره على اختراق الطباق، والإسراع في النفوذ حتى يكونوا أعظم من لمح البرق الخفاق ) والروح ) أي جبريل عليه السلام، خصه تعظيماً له، أو هو خلق هو أعظم من الملائكة، وقيل : روح العبد المؤمن إذا قبض ) إليه ) أي محل مناجاته ومنتهى ما يمكن من العلو لمخلوقاته، وعلق بالعروج أو بواقع قوله :( في يوم ) أي من أيامكم،


الصفحة التالية
Icon