صفحة رقم ١٥٣
من عذاب غيره، فإن المحسن أولى بأن يخشى ولو من قطع إحسانه، وإذا خيف مع تجليه في مقام الإحسان كان الخوف أولى عند اعتلائه في نعوت الجلال من الكبر والقهر والانتقام ) مشفقون ) أي خائفون في هذه الدار خوفاً عظيماً هو في غاية الثبات من أن يعذبهم في الآخرة أو الدنيا أو فيهما، فهم لذلك لا يغفلون ولا يفعلون إلا ما يرضيه سبحانه.
ولما كان المقام للترهيب، ولذلك عبر عن الرجاء على فعل الطاعات بالدين، فصار العذاب مذكوراً مرتين تلويحاً وتصريحاً، زاده تأكيداً بقوله اعتراضاً مؤكداً لما لهم من إنكاره :( إن عذاب ربهم ) أي الذي رباهم وهم مغمورون بإحسانه وهم عارفون بأنه قادر على الانتقام ولو بقطع الإحسان ) غير مأمون ) أي لا ينبغي لأحد أن يأمنه، بل يجوز أن يحل به وإن بالغ في الطاعة لأن الملك مالك وهو تام الملك، له أن يفعل ما يشاء - ومن جوز وقوع العذاب أبعد عن موجباته غاية الإبعاد ولم يزل مترجحاً بين الخوف والرجاء.
ولما ذكر التحلي بتطهير النفس بالصلاة وتزكية المال بالصدقة، ندب إلى التخلي عن امر جامع بين تدنيس المال والنفس وهو الزنا الحامل عليه شهة الفرج التي هي أعظم الشهوات حملاً للنفس على المهلكات، فقال بعد ذكر التخويف بالعذاب إعلاماً بأنه أسرع إلى صاحب هذه القادورة وقوعاً من الذباب في أحلى الشراب فقال :( والذين هم ) أي ببواطنهم الغالبة على ظواهرهم ) لفروجهم ) أي سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً ) حافظون ) أي حفاظاً ثابتاً دائماً عن كل ما نهى الله عنه.
المعارج :( ٣٠ - ٣٢ ) إلا على أزواجهم.....
) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَأِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( ( )
ولما ذكر هذا الحفظ على هذا الوجه، ذكر ما أذن فيه في أسلوب الاستثناء إشعاراً بأنه كأنه لم يذكر فيخرج إلا بعد تقرير عموم الحفظ لا أنه مقصود ابتداء بقصد الصفة فقال :( إلا على أزواجهم ) أي بعقد النكاح.
ولما قدمهن لشرفهن وشرف الولد بهن أتبعه قوله :( أو ما ( عبر بما هو الإغلب لغير العقلاء ندباً غلى إيساع البطان في احتمالهن ) ملكت أيمانهم ) أي من السراري اللاتي هن محل الحرث والنسل اللاتي هن أقل عقلاً من الرجال.
ولما كان الناكح عبادة نادراً جداً، وكان الأصل في العبادة الخروج عن العادة،