صفحة رقم ١٧٢
ابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم :( إن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء، وأقفيتهما إلى الأرض ) ؛ وروى الحاكم منه ذكر القمر وجعلهما سبحانه آية على رؤية عباده المحسنين له في الجنة فإنه يرى كل أحد كلاًّ من مكانه مخلياً به، وكذلك يرونه سبحانه عياناً جهاراً كما رأوه في الدنيا بالإيمان نظراً واعتباراً، ولما دل على كمال علمه وتمام قدرته بخلق الإنسان ثم بخلق ما هو أكبر منه أعاد الدلالة بخلق الإنسان لأنه أعظم المحدثات وأدلها على الله سبحانه وتعالى على وجه آخر مبين لبعض ما أشار إليه الأول من التفصيل مصرحاً بالبعث فقال مستعيراً بالإنبات للإنشاء :( والله ) أي الملك الأعظم الذي له الأمر كله ) أنبتكم ) أي بخلق أبيكم آدم عليه الصلاة والسلام ) من الأرض ) أي كما ينبت الزرع، وعبر بذلك تذكيراً لنا لما كان من خلق أبينا آدم عليه الصلاة والسلام لأنه أدل على الحدوث والتكون من الأرض، وأشار إلى أنه جعل غذءانا من الأرض التي خلقنا منها، وبذلك الغذاء نمونا.
ولما كان إنكارهم للبعث كأنه إنكار للابتداء أكده بالمدصر وأجراه على غير فعله بتجريده من الزيادة، إشارة إلى هوانه عليه سبحانه وتعالى وسهولته مع أنه إبداع وابتداء واختراع فقال :( نباتاً ( ومع ذلك فالآية صالحة للاحتباك : ذكر ( أنبت ) أولاً دال على حذف مصدره ثانياً، دال على حذف فعله أولاً، ليكون التقدير : أنبتكم إنباتاً فنبتم نباتاً.
ولما كان في الموت دليل على تمام العلم والقدرة غير أنه ليس كدلالة الابتداء بالابتداع، وكان مسلماً ليس فيه نزاع، ذكره من غير تأكيد بالمصدر فقال دالاًّ على البعث والنشور :( ثم يعيدكم ( على التدريج ) فيها ) أي الأرض بالموت والإقبار وإن طالت الآجال ) ويخرجكم ) أي فيها بالإعادة، وأكد بالمصدر الجاري على الفعل إشارة إلى شدة العناية به وتحتيم وقوعه لإنكارهم له فقل :( إخراجاً ) أي غريباً ليس هو كما تعلمون بل تكونون به في غاية ما يكون من الحياة الباقية، تلابس أرواحكم بها أجسامكم ملابسة لا انفكاك بعدها لأحدهما عن الآخر.
ولما كان النابت من الشيء لا يتصرف في ذلك الشيء، دل على كمال قدرته بخرق تلك العادة لهم على وجه الإنعام عليهم، فقال مظهراً للاسم الشريف مرة بعد أخرى تعظيماً للأدلة لئلا تقيد القدرة بما يقترن به الاسم دالاًّ بالعالم السفلي بعد الإرشاد بالعلوي وآخر السفلي لأن آياته على ظهورها خفيت بكثرة الإلف لها :( والله ) أي المستجمع لجميع الجلال والإكرام ) جعل لكم ) أي نعمة عليكم اهتماماً بأمركم ) الأرض بساطاً ) أي سهل عليكم الصترف فيها والتقلب عليها سهولة التصرف في