صفحة رقم ٢١٧
حازم : صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما بالبصرة، فقرأ في أول ركعة الحمد وأول آية من البقرة، ثم قام في الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية. وقيل : إنه أمر بالقراءة مجردة إقامة لها مقام ما كان يجب عليهم من الصلاة بزيادة في التخفيف، ولذلك روى أبو داود وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ( ﷺ ) :" من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتا من المقنطرين " قال المنذري : من سورة الملك إلى آخر القرآن ألف آية.
ولما كان هذا نسخا لما كان واجبا من قيام الليل أول السورة لعلمه سبحانه بعدم إحصائه، فسر ذلك العلم المجمل بعلم مفصل بيانا لحكمة أخرى للنسخ فثقال :( علم أن ) أي أنه ) سيكون ( يعني بتقدير لا بد لكم منه ) منكم مرضى ( جمع مريض، وهذه السورة من أول ما أنزل عليه ( ﷺ )، ففي هذه البشارة بأ، أهل الإسلام يكثرون جدا.
ولما ذكر عذر المريض وبه
أنه لكونه أعم ولا قدرة للمريض على دفعه، أتبعه السفر للتجارة لأنه يليه في العموم، فقال مبشرا مع كثرة أهل الإسلام باتساع الأرض لهم :( وآخرون ) أي غير المرضى ) يضربون ) أي يوقعون الضرب ) في الأرض ) أي يسافرون لأن الماشي بجد واجتهاد يضرب الأرض برجله، ثم أستأنف بيان علة الضرب بقوله :( يبتغون ( ْ أي يطلبون طلبا شديدا، وأشار إلى سعة ما عند الله بكونه فوق أمانيهم فقال :( من فضل الله ) أي بعض ما أوجده الملك الأعظم لعباده ولا حاجة به إليه بوجه من الربح في التجارة أو تعلم العلم ) وآخرون ) أي منكم أيها المسلمون ) يقاتلون ) أي يطلبون ويوقعون قتل أعداء الله، ولذلك بينه بقوله :( في سبيل الله ) أي ذلك القتل مظروف لطريق الملك الأعظم، ليزول عن سلوكه المانع لقتل قطاع الطريق المعنوي والحسي، وأظهر ولم يضمر تعظيما للجهاد ولئلا يلبس بالعود إلى المتجر، وهو ندب لنا من الله إلى رحمة العباد والنظر في أعذارهم، فمن لا يرحم لا يرحم، قال الغوي : روى إبراهيم عن ابن مسعود رضي اله عنه قال : أيما رجل جلب شيئا من مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء، ثم قرأ عبد الله ) وآخرون يضربون في الأرض يبتغون ) [ المزمل : ٢٠ ] الآية. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إلي من أن أموت بين شعبتي رجل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله.


الصفحة التالية
Icon