صفحة رقم ٢١٨
ولما كانت هذه أعذارا أخرى مقتضية للترخيص أو أسبابا لعدم الإحصاء، رتب عليها الحكم السابق، فقال مؤكدا القراءة بيانا لمزيد عظمتها :( فاقرءوأ ) أي كل زاحد منكم ) ما تيسر ) أي لمن ) منه ) أي القرآن، أضمره إعلاما بأنه عين السابق، فصار الواجب قيام شيء من على وجه التيسير، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس، ولما كان صالحا لأن يراد به الصلاة لكونه أعظم أركانها، وأن يراج به نفسه من غير صلاة زيادة في التخفيف، قال ترجيحا لإرادة هذا الثاني أو تنصيصا على إرادة الأول :( وأقيموا ) أي أوجدوا إقامة ) الصلاة ( الكتوبة بجيمع الأمور التي تقوم بها من أركانها وشروطها ومقدماتها ومتممماتها وهيئاتها ومحسناتها ومكملاتها.
ولما ذكر بصفة الخالق التي هي أحد عمودي الإسلام البدني والمالي، أتبعها العمود الآخر وهو الوصلة بين الخلائق فقال :( وآتوا ( من طيب أموالكم التي أنعمنا بها عليكم ) الزكاة ) أي المفروضة، ولما كان المراد الواجب المعروف، أتبعه سائر الإنفاقات المفروضة والمندوبة، فقال :( وأقرضوا الله ) أي الملك الأعلى الذي له جميع صفات الكمال التي منها الغنى المطلق، من أبدانكم وأموالكم في أوقات صحتكم ويساركم ) قرضا حسنا ( من نوافل الخيرات كلها في جميع شرعه برغبة تامة وعلى هيئة جميلة في ابتدائه وانتهائه وجميع أحواله، فإنه محفوظ لكم عنده مبارك فيه ليرده عليكم مضاعفا أحوج ما تكونون إليه.
ولما كان هذا الدين جامعا، وكان القرآن حكيما لأن منزلة له صفات الكمال فأمر في هذه الجمل بأمهات الأعمال اهتماما بها، أتبع ذلك أمرا عاما بجميع شرائع الدين فقال :( وما تقدموا ( وحث على إخلاص النية بقوله :( لأنفسكم ) أي خاصة سلفا لأجل ما بعد الموت لا تقدرون على الأعمال ) من خير ) أي أي خير كان من عبادات البدن والمال ) تجدوه ( محفوظا لكم ) عند الله ) أي المحيط بكل سيء قدرة وعلما ) هو ) أي لا غيره ) خيرا ) أي لكم، وجاز وقوع الفصل بين غير معرفتين لأن " أفعل من " كالمعرفة، ولذلك يمنع دخول أداة التعريف عليها.
ولما كان كل من عمل خيرا جوزي عليه سواء كان عند الموت أو في الحياة سواء كان كافرا أو مسلما مخلصا أو لا، إن كان مخلصا كان جزاؤه في الآخرة، وإلا ففي الدنيا، قال :( وأعظم أجرا ) أي مما لمن أوصى في مرض الموت، وكان بحيث يجازي به الدنيا.
ولما كان الإنسان إذا عمل ما يمدح عليه ولا سيما إذا كان المادح له ربه ربما أدركه الإعجاب، بين له أنه لا يقدر بوجه على أن يقدر الله حق قدره، فلا يزال مقصرا


الصفحة التالية
Icon