صفحة رقم ٢٣٧
وحقيقة، ومطلق التصوير أسهل من التحقيق، ومن صور شيئاً كان أقرب إلى تحقيقه ممن لم يصوره، فكان أجدر بتحقيقه ممن لم يباشر تصويره، ففيه حث على المسابقة إلى الأعمال الصالحة وإن لم تكن النية خالصة، وإيذان بأن من ادمن ترك الأعمال قاده إلى الانسلاخ من حسن الإعتقاد، وورطه في الضلال، ) لم نك ( حذفوا النون دلالة على ما هم فيه من الضيق عن النطق حتى بحرف يمكن الغتناء عنه، ودلالة على أنه لم يكن لهم نوع طبع جيد يحثهم على الكون في عداد الصالحين، وكان ذلك مشيراً غلى عظيم ما هم فيه من الدواهي الشاغلة بضد ما فيه أهل الجنة من الفراغ الحامل لهم على السؤال عن أحوال غيرهم، وكان ذلك منبهاً على فضيلة العلم :( من المصلين ) أي صلاة يعتد بها، فكان هذا تنبيهاً على أن رسوخ القدم في الصلاة مانع من مثل حالهم، وعلى أنهم يعاقبون على فروع الشريعة وإن كان لا تصح منهم، فلو فعلوها قبل الإيمان لم يعتد بها، وعلى أن الصلاة أعظم الأعمال، وأن الحساب بها يقدم على غيرها.
ولما نفوا الوصلة بالخالق، أتبعوه إفساد القوة العملية بعدم وصلة الخلائق بترك الشفقة على خلق الله فقالوا :( ولم نك ( بحذف النون أيضاً لما هم فيه من النكد ونفياً لأدنى شيء من الطبع الجيد ) نطعمك المسكين ) أي لأجل مسكنته، نفوا هنا وجود إطعامه لأنهم إن اتفق إطعامهم له فلعله أخرى غير المسكنة، وأما الصلاة فهم يوجدونها لله بزعمهم، لكن لما كانت على غير ما أمروا به لم تكن مقبولة فلم يكونوا من الراسخين في وصفها.
ولما سلبهم التحلي بلباس الأولياء أثبت لهم التحلي بلباس الأشقياء بإفساد القوة النطقية جامعاً القول إلى الفعل فقالوا :( مع الخائضين ( بحيث صار لنا هذا وصفاً راسخاً فنقول في القرآن : إنه سحر، وإنه شعر، وإنه كهانة وغير هذا من الأباطيل، لا نتورع عن شيء من ذلك، ولا نقف مع عقل، ولا نرجع إلى صحيح نقل، فليأخذ الذين يبادرون إلى الكلام في كل ما يسألون عنه من أنواع العلم من غير تثبت منزلتهم من هنا.
ولما كان الإدمان على الباطل يجر إلى غلبة الهزء والسخرية، وغلبه ذلك ولا بد توجب إفساد القوة العلمية بتصديق الكذب وتكذيب الصدق، قالوا بياناً لاستحبابهم الخلود :( وكنا نكذب ) أي بحيث صار لنا ذلك وصفاً ثابتاً ) بيوم الدين ( ولما كان التقدير : واستمر تكذيبنا لصيرورته لنا أوصافاً ثابتة.
بنوا عليه قولهم :( حتى أتانا ) أي قطعاً ) اليقين ) أي بالموت أو مقدماته التي قطعتنا عن دار العمل فطاح الإيمان بالغيب.