صفحة رقم ٢٥٦
كان على هذه الحالة عند أغلب الناس، أخبر بما هو حقيق أن يقال له في موضع ( تحية أهله ) من التهديد العظيم فقال :( أولى لك ) أي أولاك الله ما تكره، ودخلت اللام للتأكيد بقوله :( فأولى ) أي ابتلاك الله بداهية عقب داهية، وأبلغ ذلك التأكيد إشارة إلى أنه يستحقه على مدى الأعصار، فقال مشيراً بأداة التراخي إلى عظيم ما ارتكب وقوة استحقاقه لهذا التأكيد :( ثم أولى لك ) أي ألها الذي قد أحل نفسه بالغفلة دون محل البهائم ) فأولى ) أي وصلت إلى هذا الهلاك بداهية تعقبها تارة متوالياً وتارة متراخياً، وبعضها أعظم من بعض، لحقك ذلك لا محالة، فإن هذا دعاء ممن بيده الأمر كله، ويجوز أن يكون المعنى : أولى لك أن تترك ما أنت عليه وتقبل على ما ينفعك، وقال ابن جرير في تفسير المدثر : إن أبا جهل لما استهزأ على جعل مزنة النار تسعة عشر أوحى الله إلى النبي ( ﷺ ) أن يأتيه فيأخذ بيده في بطحاء مكة فيقول له : أولى لك - إلى آخرها، فلما قال ذلك رسول الله ( ﷺ ) قال أبو جهل : والله لا تفعل أنت وربك شيئاً، فأخزاه الله يوم بدر - انتهى.
ويمكن تنزيل الكلمات الأربع على حالاته الأربع : الحياة ثم الموت ثم البعث ثم دخول النار، فيكون المعنى : لك المكروه الآن في الموت والبعث ودخول النار.
قال البغوي : وكان النبي ( ﷺ ) يقول :( إن لكل أمة فرعوناً، وإن فرعو هذه الأمة أبو جهل ) وقد أفهمت الآية أن من أصلح قوتي علمه وعمله بأن صدق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأقبل وأقام الصلاة فتبعتها جميع الأعمال التي هي عمادها، فنشأ عن ذلك خلق حسن وهو الوجل مع الطاعة، فهنالك يقال له : بشرى لك فبشرى ثم بشرى لك فبشرى.
ولما كان هذ فعل من أعرض عن الله أصلاً فلم يخطر شيئاً من عظمته على باله، فكان ظاناً أنه مهمل لا مالك له وأنه هو السيد لا عبودية عليه، فلا يؤمر ولا ينهى ولا يعمل إلا بمقتضى شهواته، قال منكراً ليه معبراً بالحسبان الذي الحامل عليه نقص العقل :( أيحسب ) أي أيجوز لقلة علقه ) الإنسان ) أي الذي هو عبد مربوب ضعيف عاجز محتاج بما يرى في نفسه وأبناء جنسه.
ولما كان الحامل على الجراءة مطلق الترك هملاً، لا كون الترك من معين، قال بانياً للمفعول :( أن يترك ) أي يكون تركه بالكلية ) سدى ) أي مهملاً لاعباً لاهياً لا يكلف ولا يجازى ولا يعرض على الملك الأعظم الذي خلقه فيسأله عن شكره فيما