صفحة رقم ٢٩٦
الحكمة فيه، فعلم أنه لا بد من وقت ينكشف فيه الغطاء ويجازي الخلائق على نسبة من أحوالهم في الاعتبار والتدبر والخضوع لمن نصب مجموع تلك الدلائل، ويستشغر من تكرار الفصول وتجدد الحالات وإحياء الأرض بعد موتها، جرى ذلك في البعث واطراد الحكم، وإليه الإشارة بقوله :
٧٧ ( ) كذلك نخرج الموتى ( ) ٧
[ الأعراف : ٥٧ ] وقال تعالى منبهاً على ما ذكرناه ) ألم نجعل الأرض مهاداً ) [ النبأ : ٦ ] إلى قوله :
٧٧ ( ) وجنات ألفافاً ( ) ٧
[ النبأ : ١٦ ] فهذه المصنوعات المقصود بها الاعتبار كما قدم، ثم قال تعالى :
٧٧ ( ) إن يوم الفصل كان ميقاتاً ( ) ٧
[ النبأ : ١٧ ] أي موعداً لجزائكم لو اعتبرتم بما ذكر لكم لعلمتم منه وقوعه وكونه ليقع جزاؤكم على ما سلف منكم ( فويل يومئذ للمكذبين ) ويشهد لهذا القصد ما بعد من الآيات قوله تعالى لما ذكر ما أعد للطاغين :
٧٧ ( ) إنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتاباً ( ) ٧
[ النبأ : ٢٧ ٢٩ ] ثم قال بعد :
٧٧ ( ) إن للمتقين مفازاً حدائق وأعناباً ( ) ٧
[ النبأ : ٣١ ٣٢ ] وقوله بعد :( ذلك اليوم الحق ( وأما الحياة الدنيا فلعب ولو وإن الدار الآخرة لهي الحيوان، وقوله بعد :
٧٧ ( ) يوم ينظر المرء ما قدمت ياده ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ( ) ٧
[ النبأ : ٤٠ ] انتهى.
ولما كان الأمر من العظمة في هذا الحد قال مؤكداً لأن ما اختلفوا فيه وسألوا عنه ليس موضعاً للاختلاف والتساؤل بأداة الردع، فقال تهديداً لهم وتوكيداً لوعيدهم :( كلا ) أي ليس ما سألوا عنه واختلفوا فيه بموضع اختلاف أصلاً، ولا يصح أن يطرقه ريب بوجه من الوجوه فلينزجروا عن ذلك وليرتدعوا قبل حلول ما لا قبل لهم به.
ولما كان كأنه قيل : فهل ينطقع ما هم فيه ؟ أجاب بقوله مهدداً حاذفاً متعلق العلم للتهويل لأجل ذهاب النفس كل مذهب :( سيعلمون ) أي يصلون إلى حد يكون حالهم فيه في ترك العناد حال العالم بكل ما ينفعهم ويضرهم، وهذا عن قريب بوعد لا خلف فيه، ويكون لهم حينئذ عين اليقين الذي لا يستطاع دفاعه بعد علم اليقين الذي دافعوه، وعظم ربتة هذا الردع والتهديد والزجر والوعيد بقوله :( ثم كلا ) أي أن أمره في ظهوره رادع عن الاختلاف في أمره ) سيعلمون ) أي بعد الموت بعد علمهم قبله ما يكون من أمره بوعد صادق لا شك فيه، ويصير حالهم إذا ذاك حال العالم في كفهم عن العناد، وهم بين ذلول وذليل وحقير وجليل، فأما من اخترناه منه للإيمان فيكون ذلولاً، ومن أردنا شقاءه بالكفران فتراه ناكساً ذليلاً، ويشترك الكل بالذوق في حق اليقين، وقد كان هذا كما قال الجليل بعد زمن قليل، عندما أوقعتهم أيام الله وأرغمت منهم الأنوف وأذلت الجباه، وقراءة ابن عامر على ما قيل عنه بتاء الخطاب في الوعيد وأدل على الاستعطاف للمتاب.