صفحة رقم ٣١٤
المحسن إليه بإيجاده وتقريبه وتدبيره أمر إرساله وتقديره ) بالواد المقدس ) أي المطهر غاية التطهر بتشريف الله له بإنزال النبوة المفيضة للبركات، ثم بينه بقوله :( طوى ( وهو الذي طوى فيه الشر عن بني إسرائيل ومن أراد الله من خلقه ونشر بركات النبوة على جميع أهل الأرض المسلم بإسلامه، وغيره برفع عذاب الاستئصال عنه، فإن العلماء قالوا : إن عذاب القبر أي عذاب الاستئصال ارتفع حين أنزلت التوراة.
وهو واد بالطور بين أيلة ومصر.
ولما ذكر المناداة فسر ثمرتها بقوله مستأنفاً منبهاً لأصحاب الشهوة المعجبين المتكبيرين، وقد أرشد السياق إلى أن التقدير، نناداه قائلاً :( اذهب إلى فرعون ) أي ملك مصر الذي كان استعبد بني إسرائيل ثم خوّف من واحد منهم فصار يذبح أبناءهم خوفاً منه وهو أنت فربيناك في بتيه لهلاكه حتى يعلم أنه لا مفر من قدرنا، فكنت أعز بني إسرائيل، وكان سبب هلاكه معه في بتيه بمرأىً منه ومسمع وهو لا يشعر بذلك ثم قتلت منهم نفساً وخرجت من بلدهم خائفاً تترقب.
ولما أمره بالذهاب إليه، علله بما يستلزم إهلاكه على يده عليه الصلاة والسلام إشارة له بالبشارة بأنه لا سبيل له عليه، ولذلك أكده لأن مثل ذلك أمر يقتضي طبع البشر التوقف فيه فقال :( إنه طغى ) أي الحد وتجاوز الحد فاستحق المقابلة بالجد، ثم سبب عن الذهاب إليه قوله ) فقل ) أي له تفصيلاً لبعض ما تقدم في ( طه ) من لين القول ولطف الاستدعاء في الخطاب :( هل لك ) أي ميل وحاجة ) إلى أن تزكّى ) أي تتحلى بالفضائل، وتتطهر من الرذائل، ولو بأدنى أنواع التزكي : الطهارة الظاهرة والباطنة الموجبة للنماء والكثرة، وإفهام الأدنى بما يشير إليه إسقاط تاء التفعل المقتضي للتخفيف، وذلك بالإذعان المقتضي للإيمان وإرسال بني إسرائيل، وقرأ الحجازيان ويعقوب بالتشديد أي تزكية بليغة لأن من دخل في التزكي على يد كامل لا سيما بني من أولي العزم أوشك أن يبلغ الغاية في الزكاء.
ولما أشار له الطهارة عن الشرك، أتبعها الأعمال فقال :( وأهديك ) أي أبين لك بعد التزكية بالإيمان الذي هو الأساس : كيف المسير ) إلى ربك ) أي الموجد لك والمحسن إليك والمربي لك بتعريفك ما يرضيه من الأعمال وما يغضبه من الخصال بعد أن بلغك في الدنيا غاية الآمال ) فتخسى ) أي فيتسبب عن ذلك أنك تصير تعمل أعمال من يخاف من عذابه خوفاً عظيماً، فتؤدي الواجبات وتترك المحرمات وسائر المنهيات، فتصير إلى أعلى رتب التزكية فتجمع ملك الآخرة إلى ملك الدنيا، فإن الخشية هي الحاملة على كل خير، والآمن هو الحامل على الشر.