صفحة رقم ٣٣٦
[ التكوير : ١ ] فقال بادئاً بعالم الملك والشهادة لأنه أقرب تصوراً لما يغلب على الإنسان من الوقوف مع المحسوسات، معلماً بأنه سيخرب تزهيداً في كل ما يجر إليه وحثاً على عدم المبالاة والابتعاد من التعلق بشيء من أسبابه :( إذا الشمس ) أي التي هي أعظم آيات السماء الظاهرة وأوضحها للحس.
ولما كان المهمول مطلق تكويرها الدال على عظمة مكورها، بني للمفعول على طريقة كلام القادرين قوله :( كورت ) أي لفت بأيسر أمر من غير كلفة ما أصلاً، فأدخلت في العرش كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما فذهب ما كان ينبسط من نورها، من كورت العمامة إذا لففتها فكان بعضها على بعض وانطمس بعضها ببعض، والثوب إذا جمعته فرفعته، فالتكوير كناية عن رفعها أو إلقائها في جهنم زيادة في عذاب أهلها ولا سيما عبدتها، أو ألقيت عن فلكها، من طعنه فكوره أي ألقاء مجتمعاً، والتركيب للإدارة والجمع والرف للشمس، فعل دل عليه ( كورت ) لأن ( إذا ) تطلب الفعل لما فيها من معنى الشرط، ولما كان التأثير في الأعظم دالاًّ على التأثير فيما دونه بطريق الأولى، أتبع ذلك قوله معمماً بعد التخصيص :( وإذا النجوم ) أي كلها صغارها وكبارها ) انكدرت ) أي انقضّت فتاهوت وتساقطت وتناثرت حتى كان ذلك كأنه بأنفسها من غير فعل فاعل في غاية الإسراع، أو أظلمت، من كدرت الماء فانكدر، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يكون الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ثم يبعث عليها ريحاً دبوراً فتضرمها فتصير ناراً، وقال الكلبي وعطاء : تمطر السماء يومئذ نجوماً، لا يبقى نجم إلاّ وقع.
ولما بدأ بأعلام السماء لأنها أشهر وأعم تخويفاً وإرهاباً، وذكر منها اثنين هما أشهر ما فيها وأعمها نفعاً، أتبعها أعلام الأرض فقال مكرراً للظرف لمزيد الاعتناء بالتهويل :( وإذا الجبال ) أي التي هي في العالم السفلي كالنجوم في العالم العلوي، وهي أصلب ما في الأرض، ودل على عظمة القدرة بالبناء للمفعول فقال :( سيرت ) أي وقع تسييرها بوجه الأرض فصارت كأنها السحاب في السير ولاهباء في النثر لتستوي الأرض فتكون قاعاً صفصفاً لا عوج فيها، لأن ذلك اليوم لا يقبل العوج في شيء من الأشياء بوجه.
ولما ذكر أعلام الجماد، أتبعه أعلام الحيوان النافع الذي هو أعز أموال العرب وأغلبها على وجه دل على عظم الهول فقال :( وإذا العشار ) أي النوق التي أتيى على