صفحة رقم ٣٣٧
حملها عشرة أشهر، جمع عشراء مثل نفساء، وهي أحب أموال العرب إليهم وأنفسها عندهم لأنها تجمع اللحم والظهر واللبن الوبر، ( روي أن النبي ( ﷺ ) مر في أصحابه بعشار من النوق حفّل، فأعرض عنها وغض بصره فقيل له : يا رسول الله هذا أنفس أموالنا، لم لا تنظر إليها ؟ فقال :( قد نهاني الله عن ذلك، ثم تلا ) ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا ) [ طه : ١٣١ ] الآية ( ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع لتمام السنة ) عطلت ) أي تركت مهملة كأنه لا صاحب لها مع أنها أنفس أموالهم، فكانت إذا بلغت ذلك أحسنت إليها وأعزتها واشتد إقبالها عليها : وقالت : جاء خيرها من ولد ولبن، لأن الأمر، لاشتغال كل أحد بنفسه، أهول من أن يلتفت أحد إلى شيء وإن عز.
ولما ذكر المقرعات الدلالت على إرادة أمر عظيم، قرب ذلك الأمر بإفهام أنه الحشر، ودل على عمومه بذكر ما يظن إهماله فقال :( وإذا الوحوش ) أي دواب البر التي لا تأنس بأحد التي يظن أنه لا عبرة بها ولا التفات إليها فما ظنك بغيرها ) حشرت ) أي بعثت وجمعت من كل أوب قهراً لإرادة العرض على الملك الأعظم والفصل فيما بينها في أنفسها حتى يقتص للجماء من القرناء وبينها وبين غيرها أيضاً حتى يسأل العصفور قاتله، لم قتله ؟ قال قتادة : يحشر كل شيء للقصاص حتى الذباب انتهى.
ولا يستوحش الوحش من الناس ولا الناس من الوحوش من شدة الأهوال، وذلك أهول وأفزع وأخوف وأفظع، قال القشيري : ولا يبعد أن يكون ذلك بإيصال منافع إليها جوازاً لا وجوباً كما قاله أهل البدع انتهى.
وكل شيء في الدنيا يحضر في تلك الدار، فإذا وقع الفصل جعل الخبيث في جهنم زيادة في عذاب أهلها، والطيب في الجنة زيادة في نعيم أهلها.
ولما أفهم هذا الحشر، ذكر ما يدل على ما ينال أهل الموقف من الشدائد من شدة الحر فقال :( وإذا البحار ) أي على كثرتها ) سجرت ) أي فجر بعضها إلى بعض حتى صارت بحراص واحداً وملئت حتى كان ما فيها أكثر منها وأحمئت حتى كان كالتنور التهاباً وتسعراً فكانت شراباً لأهل النار وعذابا عليهم، ولا يكون هذا إلا وقد حصل من الحر ما يذيب الأكباد.
ولما ذكر من الآيات العلوية من عالم الملك اثنين ومن السفلية أربعة، فأفهم جميع الخلق أن الأمر في غاية الخطر فتشوفت النفوس إلى ما يفعل، قال ذاكراً لما أراد