صفحة رقم ٣٧٠
وَيَصْلَى سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً ) ٧٣
( ) ٧١
ولما كان هذا دالاً على العفو، أتبعه ما يدل على الإكرام فقال :( وينقلب ) أي يرجع من نفسه من غير مزعج برغبة وقبول ) إلى أهله ) أي الذين أهله الله بهم في الجنة فيكون أعرف بهم وبمنزلة الذي أعد له منه بمنزله في الدنيا.
ولما كانت السعادة في حصور السرور من غير قيد، بنى للمفعول قوله :( مسروراً ) أي قد أوتي جنة وحريراً، فإنه كان في الدنيا في أهله مشفقاً من العرض على الله مغموماً مضروراً يحاسب نفسه بكرة وعشياً حساباً عسيراً مع ما هو فيه من نكد الأهل وضيق العيش وشرور المخالفين، فذكر هنا الثمرة والمسبب لأنها المقصودة بالذات، وفي الشق الآخرة السبب والأصل، وقد استشكلت الصديقة أحدهما ( ليس أحد يحاسب إلا هلك ) والثاني ( من نوقش الحساب عذب ) قالت عائشة رضي الله عنها : فقلت : يا رسول الله أليس الله يقول
٧٧ ( ) فأما من أوتي كتابه ( ) ٧
[ الانشقاق : ٨ ] فقال :( ﷺ ) :( إنما ذلك العرض ) فإن كان اللفظ الأول هو الذي سمعته فالإشكال فيه واضح، وذلك أنه يرجع إلى كلية موجبة هي ( كل من حوسب هلك ) والآية مرجع إلى جزئية سالبة وهي ( بعض من يحاسب لا يهلك ) وهو نقيض، وحينئذ يكون اللفظ الثاني من تصرف الرواة، وإن كان الثاني هو الذي سمعته فطريق تقدير الإشكار فيه أن يقال : المناقشة في اللغة من الاستقصاء وهو بلوغ الغاية، وذلك في الحساب بذكر الجليل والحقير والمجازاة عليه، فرجع الأمر أيضاً إلى كلية موجبة هي ( كل من حوسب بجميع أعماله عذب ) وذلك شامل لكل حساب سواء كان يسيراً أو لا، لأن الأعم يشمل جميع أخصّاته، والآية مثبتة أن من أعطي كتابه بيمينه يحاسب عليه ولا يهلك، والصديقة رضي الله عنها عالمة بأن الكتاب يثبت فيه جميع الأعمال من قوله تعالى :
٧٧ ( ) لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ( ) ٧
[ الكهف : ٤٩ ] ومن حديث الحافظين وغير ذلك، فرجع الأمر إلى أن بعض من يحاسب بجميع أعماله لا يهلك، وحينئذ فالظاهر التعارض فسألت، فأقرها ( ﷺ ) على الإشكال وأجابها بما حاصله أن المراد بالحساب في الحديث مدلوله المطابقي، وهو ذكر الأعمال كلها - والمقابلة على كل منها، وذلك هو معنى المناقشة، فمعنى ( من نوقش الحساب ) من حوسب حساباً حقيقياً بذكر جمع أعماله والمقابلة على كل منها، وأن المراد بالحساب


الصفحة التالية
Icon