صفحة رقم ٣٧١
في الآية جزء المعنى المطابقي وهو ذكر الأعمال فقط من غير مقابلة، وذلك بدلالة التضمن مجازواً مرسلاً لأنه إطلاق اسم الكل على الجزء، ولأجل هذا كانت الصديقة رضي الله تعالى عنها تقول بعد هذا في تفسير الآية : يقرر بذنوبه ثم يتجاوز عنها - كما نقله عنها أبو حيان، وعلى ذلك دل قوله ( ﷺ ) فيما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما :( إن الله تعالى يدنى المؤمن يوم القيامة فيضع كنفه عليه ويستره ثم يقول له : أتعرف ذنب كذا - حتى يذكره بذنوبه كلها ويرى في نفسه أنه قد هلك، قال الرب سبحانه : سترتها عليك في الدنيا، وأنا إغفرها لك اليوم ) ولفظ ( كنفه ) يدل على ذلك فإن كنفه الطائر جناحه، وهو إذا وقع فرخه في كنفه عامله بغاية اللطف، فالله تعالى أرحم وألطف ) وأما من أوتي ) أي بغاية السهولة وإن أبى هو ذلك ) كتابه ) أي صحيفة حسابه ) وراء ظهره ) أي في شماله إيتاء مستغرقاً لجميع جهة الوراء التي هي علم السوء لأنه كان يعمل ما لم يأذن به الله، فكأنه عمل من ورائه مما يظن أنه يخفى عليه سبحانه، فكان حقيقاً بأن تعل يمينه إلى عنقه، وتكون شماله إلى وراء ظهره، ويوضع على الأمام أولاً، وسر ذلك أنه ذكر دليل المودة والرفق بالمصافحة ونحوها في السعيد، ودليل الغدر والاغتيال في الشقي ) فسوف يدعوا ) أي بوعد لا محالة في وقوعه أبداً ) ثبوراً ) أي حسرة وندماً بنحو قوله : واثبوراه، وهو الهلاك الجامع لأنواع المكاره كلها لأن أعماله في الدنيا كانت أعمال الهالكين.
ولما كان ذلك لا يكون إلا لبلاء كبير، أتبعه ما يمكن أن يكون علة له فقال :( ويصلى سعيراً ) أي ويغمس في النار التي هي في غاية الاتقاد ويقاسي حرها وهي عاطفة عليه ومحطية به لأنه كان تابعاً لشهواته التي هي محفوفة بها فأوصلته إليها وأحاطت به.
ولما ذكر هذا العذاب الذي لا يطاق، أتبعه سببه ترهيباً منه واستعطافاً إلى التوبة وتحذيراً من السرور في دار الحزن، فقال مؤكداً تنبيهاً على أنه لا ينبغي أن يصدق أن عاقلاً يثبت له سرور في الدنيا :( إنه كان ) أي بما هو له كالجبلة والطبع ) في أهله ) أي في دار العمل ) مسروراً ) أي ثابتاً له السرور بطراً بالمال والجاه فرحاً به مخلداً إليه مترفاً مع الفراغ والفرار عن ذكر حساب الآخرة كما قال في التي قبلها
٧٧ ( ) وإذا انقلبوا


الصفحة التالية
Icon