صفحة رقم ٣٨
الطلاق :( ١١ - ١٢ ) رسولا يتلو عليكم.....
) رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَا ( ( )
ولما كان الرسول ( ﷺ ) صورة سورة القرآن، فالقرآن باطنه وهو ظاهره لأنه خلقه لا قوله له ولا فعل إلا به، فكان كأنه هو، أبدل منه قوله :( رسولا ( على أن الأمر فيه غي عن تأويل، فإن الذكر بكسر الذال في اللغة كما في القاموس من الرجال القوي الشجاع الأبي، يمبين كونه ذكراً بقوله :( يتلوا ) أي يتابع أن يقص ) عليكم آيات الله ) أي دلائل الملك الأعظم ذي الجلال والإكرام الظاهر جداً حال كونها ) مبينات ) أي لا لبس فيها بوجه.
ولما تبين أن الذكر والرسول صارا شيئاً واحداً، وعلم ما في هذه المراسلة من الشرف، أتبع ذلك بيان شرف آخر ثمرة إنزاله فقال :( ليخرج الذين آمنوا ) أي أقروا بالشهادتين ) وعملوا ( تصيدقاً لما قالوه بألسنتهم وتحقيقاً لأنه من قلوبهم ) الصالحات ( من الأعمال ) من الظلمات ) أي النفسانية والأخلاق الرذيلة المؤدية إلى ظلمة الجوارح بعملها الظلم وانتشارها في السبل الشيطانية ) إلى النور ( الروحاني العقيلي الخالص الذي لا دنس فيه بسلوك صراط الله الذي هو واحد لا شتات فيه وبين لا لبس فيه ) ) وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ( ) [ الأنعام : ١٥٣ ] كما بادروا إلى إخراج أنفسهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن فساد الأعمال الصالحة إلى سداد الأعمال الصالحة، وذلك بأن يصيرهم متخلقين بالقرآن ليكونوا مظهراً له في حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأفعالهم فيكونوا ذكراً.
ولما كان التقدير : فمن آمن بالله وعمل صالحاً شاهد بركات ذلك في نفسه عاجلاً، عطف عليه بياناً لسعادة الآجلة قوله تعالى :( ومن يؤمن بالله ) أي يجدد في كل وقت على الدوام الإيمان بالملك الأعلى بأن لا يزال في ترق في معارج معارفه ) ويعمل ( على التجديد المستمر ) صالحاً ( لله وفي الله فله دوام النعماء، وهو معنى إدخاله الجنة، ولما كان قد تقدم قريباً في آية ا لتقوى أنه يكفر عنه سيئاته، قال شارحاً لقوله :( ) ويعظم له أجراً ( ) [ الطلاق : ٥ ] :( يدخله ) أي عاجلاً مجازاً بما يتيح له من لذات العرفان ويفتح له من الأنس آجلاً حقيقة ) جنات ) أي بساتين هي في غاية ما يكون من جمع جميع الأشجار وحسن الدار، وبين دوام ريها بقوله :( تجري ( وبين انكشاف كثير من أرضها بقوله :( من تحتها ) أي تحت غرفها ) الأنهار ( أو هو كناية عن


الصفحة التالية
Icon