صفحة رقم ٤٠٥
ذلك اليوم يشاهدون جزاءهم ويشتد تحسرهم حين لا يغني عنهم، ثم عرف بعظيم امتحانهم في قوله :( ليس لهم طعام إلا من ضريع ( مع ما بعد ذلك وما قبله، ثم عرف بذكر حال منكان في نقيض حالهم إذ ذلك أزيد في الرح وأدهى، ثم أردف بذكر ما نصب من الدلائل وكيف لم يغن فقال :( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( - الآيات، أي أفلا يعتبرون بكل ذلك ويستدلون بالصنعة على الصانع ثم أمره بالتذكار - انتهى.
ولما هول أمرها بانبهامها وعمومها، زاد في التهويل بما ذكر من أحوالها في تفصيل الناس إلى شقي وسعيد، وبدأ بالشقي لأن المقام لإنذار المؤثرين للحياة الدنيا، وسوّغ الابتداء بالنكرة التفصيل فقال :( وجوه ) أي كثيرة جداً كائنة ) يومئذ ) أي إذ تغشى الناس ) خاشعة ) أي ذليلة مخبتة من الخجل والفضيحة والخوف والحسرة التي لا تنفع في مثل هذا الوقت ) عاملة ) أي مجتهدة في الأعمال التي تبتغي بها النجاة حيث لا نجاة بفوات دار العمل فتراها جاهدة فيما كلفتها به الزبانية من جر السلاسل والأغلال وخوص الغمرات من النيران ونحو ذلك كأن يقال له : أدّ الأمانة ثم تمثل له أمانته في قعر جهنم، فتكلف النزول إليها وهكذا، وهذا بما كان يهمل العمل في الدنيا ) ناصبة ) أي هي في ذلك في غاية التعب والدؤوب في العمل والاجتهاد - هذه رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذلك لأنهم لم يخشوا الله في الدنا فلم يعملوا له فلم ينصبوا في طاعته أجسادهم فاضطرهم في ذلك اليوم إلى أعظم مما أبوه في الدنيا مع المضرة دون المنفعة، ويجوز أن يراد بها الذين تعبوا ونصبوا في الدنيا أجسامهم وهم على غير دين الإسلام كالرهبان من النصارى بعد النسخ وزنادقة المتصوفة من الفلاسفة وأتباعهم، بأن يكون ( وجوه ) مبتدأ و ( يومئذ ) خبره أي كائنة يومئذ، ثم يقدر ما بعده في جواب سؤال سائر يقول : ما شأنها ؟ فأجيب بقوله خاشعة، أي في الدنيا - إلى آخره، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء عنه.
ولما كان العذاب لا يكون إلا على ما يكرهه المعذب، دل على ذلك وعلى أنه على أنهى مان يكون ببناء الفعل للمفعول في قراءة أبي عمرو ويعقوب وأبي بكر عن عاصم فقال :( تصلى ) أي يصليها مصل على أيسر وجه وأسهله بأمر من له الأمر بأن يغمسها قهراً على وجه الإحاطة بها، والمعنى على قراءة الجماعة بالبناء للفاعل : تدخل وتباشر بأن يدسها فيها أصحابها فيحيط بها من كل جانب وهو يدل على غاية الذل لأن من فعل بنفسه هذا لا يكون إلا كذلك ) ناراً حامية ( متناهية في الحر لأنها عملت