صفحة رقم ٤٠٦
بالجهل على خلاف ما حده لها نبيها فأخلت بركن للعمل أو شرط لما استولى عليها من الغفلة التي أحاطت بها، فلم تدع لها موضعاً يصلح لدخول الرحمة منه.
ولما كان من في الحر أحوج شيء إلى ما يبرد باطنه، قال بانياً عند الكل للمفعول جرياً على قراءة أبي عمرو في الذي قبله :( تسقى ) أي يسقى كل من أذن له الملك في ذلك على أهون وجه وأيسره ) من عين آنية ) أي بلغت غايتها في الحر فنضجت غاية النضج فصارت إذا قربوها منهم سقط لحم وجوههم، وإذا شربوا قطعت أمعاءهم مما شربوا في الدنيا من كاسات الهوى التي قطعوا باستلذاذهم لها قلوب الأولياء.
ولما ذكر ما يسقونه على وجه علم منه أنه لا يلذذ ولا يروي من عطش، أتبعه ما يطعمونه فقال حاصراً له :( ليس لهم ) أي هؤلاء الذين أذابوا أنفسهم في عبادة لم يأذن الله فيها ) طعام ( أصلاً ) إلا من ضريع ) أي يبيس الشبرق، وهو شوك ترعاه الإبل ما دام رطباً، فإذا يبس تحامته، وهو سم، وقال في القاموس : والضريع كأمير : الشبرق أو يبيسه أو نبات رطبه يسمى شبرقاً، ويابسه يسمى ضريعاً، لا تقربه دابة لخبثه، أو شيء في جهنم أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأحرّ من النار، ونبات منتن يرمى به البحر، وقال الهروي في الغريبين وعبد الحق في الواعي : الضريع : الشبرق، وهو نبات معروف بالحجاز ذو شوك، ويقال شبرق ما دام رطباً، فإذا جف فهو ضريع، وقال القزاز في ديوانه : الضريع : يبيس من يبيس الشجر، وقيل : هو يبيس الشبرق خاصة، وقيل : هو نبات أخضر يرمى به البحر وهو منتن.
أبو حنيفة رحمه الله تعالى : وهو مرعى لا تعقد عليه السائمة شحماً ولا لحماً وإن لم تفارقه إلى غيره ساءت حالها.
وقال ابن الأثير في النهاية : الضريع هو نبت بالحجاز له شوك كبار، وقال : الشبرق نبات حجازي يؤكل وله شوك، وإذا يبس سمي الضريع.
وهذا ثوب مشبرق وهو الذي أفسد، وفي نسجه سخافة، وشبرقت الثوب أيضاً : حرقته، وقال في القاموس : الشبرق كزبرج : رطب الضريع واحده بهاء، قال البغوي رحمه الله تعالى : قال مجاهد وقتادة وعكرمة : هو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض، تسميه قريش الشبرق، فإذا هاج سموه الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه، وهو رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ولا يمتنع في قدرة الله سبحانه وتعالى أن يكون الغسلين إذا انفصل عن أبدان أهل النار صار على هيسة الشبرق المسمى ضريعاً، فيكون طعامهم الغسلين الذي هو الضريع، ويمكن أن يكون ذلك كناية عن أقبح العيش ولا يراد به شيء بعينه - والله تعالى أعلم، قال الملوي : وسمي ضريعاً لأن الإنسان يتضرع عند أكله من خشونته ومرارته ونتنه.


الصفحة التالية
Icon