صفحة رقم ٤٢٨
ما لها من فنون الإيجاز التي وصلت غلى حد الإعجاز، هذا إلى ما لبقية الجمل من الإعجاز في حسن الرصف وإحكام التركيب والربط والمراعاة بالألفاظ للمعاني إلى غير ذلك ما لا يبلغ كنهه إلى منزله سبحانه وعز شأنه، وعلم أن الإكرام والإهانة ليستا دائرتين على التنعيم في الدنيا والتضييق كما تقدم شرحه في سورة الفجر، ولأجل ما علم من كون الإنسان لا يزال في نكد وشدة ونصب من حث احتياجه أولاً إلى مطلق الحركة والسكون، وثانياً إلى المأكل والمشرب، وثالثاً إلى ما يترتب عليها إلى غير ذلك مما يعيي عده ويجهل حده، توجه الإنكار في قوله تعالى بياناً للأسباب الموقعة له في النكد، وهي شهوتان : نفسية وحسية، والنفسية منحصرة في أربع : الأولى أنه يشتهي أن يكون كل من في الوجود في قبضته فأشار إليها ) أيحسب ) أي هذا الإنسان لضعف عقله مع ما هو فيه من أنواع الشدائد ) أن لن يقدر ( ولما أكد بالفعلية وخصوص هذا النافي قدم الجار تأكيداً بما يفيد من الاهتمام بالإنسان فقال :( عليه ) أي خاصة ) أحد ) أي من أهل الأرض أو السماء فيغلبه حتى أنه يعاند خالقه مع ما ينظر من اقتداره على أمثاله بنفسه وبمن شاء من جنوده فيعادي رسله عليهم الصلاة والسلام ويجحد آياته.
البلد :( ٦ - ١٦ ) يقول أهلكت مالا.....
) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ( ( )
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أوضح سبحانه وتعالى حال من تقدم ذكره في السورتين في عظيم حيرتهم وسوء غفلتهم وما أعقبهم ذلك من التذكر تحسراً حين لا ينفع التندم، ولات حين مطمع، أتبع ذلك بتعريف نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام بأن وقوع ذلك منهم إنما جرى على حكم السابقة التي شاءها والحكمة التي قدرها كما جاء في الموضع الآخر ) ) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( ) [ السجدة : ١٣ ] فأشار تعالى إلى هذا بقوله ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ) أي أنا خلقناه لذلك ابتلاء ليكون ذلك قاطعاً لمن سبق له الشقاء عن التفكر والاعتبار ) ) وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً ( ) [ الكهف : ٥٧ ] فأعماهم بما خلقهم فيه نم الكبد وأغفل قلوبهم فحسبوا أنهم لا يقدر عليهم أحد، وقد بين سبحانه وتعالى فعله هذا بهم في قوله لنبيه ( ﷺ ) ) ) ولا تطع أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه ( ) [ الكهف : ٢٨ ] ) ) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً ( ) [ يونس : ٩٩ ] فأنت تشاهدهم يا محمد ذوي أبصار وآلات يعتبر بها النظار ) ألم يجعل له عينين ولساناً وشفتين ( فهلا أخذ في خلاص نفسه، واعتبر بحاله وأمسه، ) فلا اقتحم العقبة ( ولكن إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له - انتهى.


الصفحة التالية
Icon