صفحة رقم ٤٣٣
علمها، قال مشيراً إلى الأولى التي هي العفة التي ثمرتها السخاء وإصلاح قوة الشهوة معبراً بالفك الذي هو أدنى ما يكون من العتق لأنه الإعانة فيه ولو بما قل كما ورد في حديث البراء رضي الله عنه ( أعتق النسمة وفك الرقبة ) أن تفرد بها، وفكها أن تعين في ثمنها، وفسر المراد بهذه العقبة بما دل على معادل لا كما يأتي تعيين تقديره فإنها لا تستعمل إلا مكررة قال :( فك ) أي الإنسان ) رقبة ) أي من الأسر أو الظلم أو الغرم أو السقم شكراً لمن أولاه الخير وتنفيساً للكربة حباً للمعالي والمكارم لا رياء وسمعة كما فعل هذا الظان الضال ولا لطمع في جزاء ولا لخوف من عناء ) أو إطعام ) أي أوقع الإطعام لشيء له قابلية ذلك ) في يوم ذي مسغبة ) أي جوع عام في مكان جوع وزمان جوع - بما أفهمه الوصف والصيغة، فكان لذلك يحمل على الضنة بالموجود خوفاً من مثل ما فيه المطعم فخالف النفس وآثر عليها اعتماداً على الله ) يتمياً ) أي إنساناً صغيراً لا أب له يرجى أو يخاف ) ذا مقربة ) أي حاجة مقعدة له على التراب، لا يقدر على سواه، فالآية الاحتباك : ذكر القرب أولاً يدل على ضده ثانياً، وذكر المتربة ثانياً يدل على ضدها أولاً، وسر ذلك أنه ذكر في اليتيم القرب المعطف، وفي المسكين الوصف المرقق الملطف، فهو لا يقصد بإطعامه إلا سد فاقته، ودخل فيه اليتيم البيعد والفقير من باب الأولى وإن كان أجنبياً.
البلد :( ١٧ - ٢٠ ) ثم كان من.....
) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ ( ( )
ولما كانت هذه الأفعال خيراً في نفسها تدل على جودة الطبع وعلو الهمة وكرم العنصر وإباء النفس إشارة إلى شدة حسنها لأنه لا يوفق لها إلا مخلص وإن كان غير مستند إلى شرع وإلى ما يفيده من سلالة الطبع وسهولة الانقياد وإلى عظمة الإيمان بالتعبير بأداة التراخي في قوله مشيراً إلى العقبة الثانية وهي الحكمة المزكية للقوة النطقية :( ثم كان ) أي بعد التخلق بهذه الأخلاق الزاكية العالية النفسية الغالية في حال كفره أو مبادئ إسلامه للدلالة على صفار جبلته وجودة عنصره من الراسخين في الإيمان المعبر عنه بقوله :( من الذين آمنوا ) أي عند ما دعاه إليه الهادي، ولم تحمله حمية الأنف