صفحة رقم ٤٦١
مراراً، وكان مجازاً أيضاً بإحلال جميع معانيه، وكل ذلك على ما لا يدخل تحت الوصف لا يعبر لكم عنه بأثر من أنه شق بعظمتنا، فالعلم الذي شق به معرفة الله والدار الآخرة والدين والدنيا، والحمة التي درّت فيه هي وضع الشيء في محله، وإعطاء كل ذي حق حقه، وقرأ أبو جعفر المنصور بفتح جاء ( نشرح ) وخرجها ابن عطية على التأكيد بالنون الخفيفة ثم أبدل ألف من النون، ثم حذف النون تخفيفاً، وقال أبو حيان بأن اللحياني حكى في نوادره عن بعض العرب النصب بلم والجزم بلن، وسره هنا أن الفتح في اللفظ مناسب غاية المناسب للشرح، ووجه قراءة الجمهور أنه لما دل على الفتح بالشرح دل بالجزم على أنه مع ذلك رابط لما أودعه من الحكم ضابط له، هاد بما فيه من رزانة العلم، ووقار التقى والحمل، قال ابن برجان : ففرق ما بين النبي والولي في باطناً، والكافر ضيق ذلك منه وأبقى بظلمته وحظوظ الشيطان منه فهو لا يستطيع قبول الهداية ولا الصعود في معارج العبرة إلى على مقدار ما يستطيع الصعود في السماء
٧٧ ( ) كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ( ) ٧
[ الأنعام : ١٢٥ ].
ولما كانت سعة الصدر بالعلم والحكمة هي الجمال باجتماع المحاسن، وكان ذلك مع حمل ما يعني من أعظم النكد، وكان الجمال بجمع المحاسن لا يكمل إلا إذا جمع إلى الجمال الجلال بانتفاء الرذائل، وكان الاستفهام الإنكاري إذا اجتمع مع النفي صار إثباتاً، لأنه نفي للنفي، قال عاطفاً عليه ما لا يعطف إلا مع الإثبات ) ووضعنا ) أي حططنا وأسقطنا وأبطلنا حطاً لا رجعة له ولا فيه بوجه بما لنا من العظمة، مجاوزاً ) عنك وزرك ) أي حملك الثقيل الذي لا يستطاع حمله، ولذلك وصفه بقوله :( الذي أنقض ظهرك ) أي جعله وهو عماد بدنك تصوت مفاصله من الثقل كما يصوت الرحل الجديد إذا لز بالحمل الثقيل، وذلك هو ما دهمه عندما أمر بإنذار قومه ومفاجأتهم بما يكرهون عن عيب دينهم وتضليل آبائهم وتسفيه حلومهم في التدين بدين لا يرضاه أدنى العقلاء إذا تأمل شيئاً من تأمل مع التجرد من حظ النفس مع ما عندهم من الأنفة والحمية وإلقاء الأنفس في المهالك لأدنى غضب، فقال :( يا رب إذن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة ) فخفف سبحانه وتعالى عنه ذلك بما أظهر له من الكرامات وأيده به من المعجزات، وضمن له من الحماية إلى أمور لا يحيط بها علماً إلا الذي أيده بها
٧٧ ( ) والله يعصمك من الناس ( ) ٧
[ المائدة : ٦٧ ] حتى خف ذلك عليه، فصار أشفق أهله عليه