صفحة رقم ٤٧٢
الشهوة والعقل وفيه الأنس بنفسه ما ينسيه أكثر مهمه، ولهذا قالت الملائكة عليهم الصلاة والسلام
٧٧ ( ) أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( ) ٧
[ البقرة : ٣٠ ] لأنهم علموا أنه إذا جمع الغضب والشهوة إلى العقل جاءت المنازعة فيتولد الفساد من الشهوة والسفك من الغضب ) في أحسن تقويم ) أي كائن منا روحاً وعقلاً أو أعم من ذلك بما جعلنا له من حسن الخلق والخلق بما خص به من انتصاب القامة وحسن الصورة واجتماع خواص الكائنات ونظائر سائر الممكنات بعد ما شارك فيه غيره من السمع والبصرة والذوق واللمس والشم الجوارح التي هيأته لما خلق له حتى قيل إنه العالم الأصغر كما مضى بسط ذلك في سورة الشمس ثم ميزناه بما أودعناه فيه بما جعلناه عليه من الفطرة الأولى التي لا تبديل لها من الطبع الأول السليم الذي هيأناه به وقويناه بقدرتنا لقبول الحق، وبمثل ما قلته في حمل الآية على الفطرة الأولى قال الأصفهاني في تفسير
٧٧ ( ) كان الناس أمة واحدة ( ) ٧
[ البقرة : ٢١٣ ] في البقرة، وقال ابن برجان هنا : مفطور على فطرة الإسلام الدين القيم، ثم لما منحناه به من العقل المدرك القويم، فكما جعلنا له شكلاً يميزه عن سائر الحيوان منحناه عقلاً يهديه إلى العروج عن درك النيران إلى درج الجنان بالإيمان والأعمال الصالحة البالغة نهاية الإحسان، بدليل من فيه من الأنبياء الذين أكملهم محمد على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام والتابعين له بإحسان الذين ملؤوا الأرض علماً وحمةً ونوراً، قال البغوي : خلقه سبحانه وتعالى مديد القامة يتناول مأكوله بيده مزيناً بالعقل والتمييز - انتهى، والعقل هو المقصود في الحقيقة من الإنسان لأن من أسمائه اللب، ومن المعلوم أن المقصود كل شيء لبه وهو الشرع كما مضى في آخر النساء، والظاهر أن عقول الناس بحسب الخلق متقاربة وأنها إنما تفاوتت بحسب الجبلة فعبضهم جعل سبحانه وتعالى عنصره وجبلته في غاية الفساد فلا تزال جبلته تردي على عقله فيتناقص إلى أن يصير إلى أسوأ الأحوال، فكل ميسر لما خلق له، وبعضهم يصرف عقله بحسب ما هيأه الله له إلى ما ينجيه، وبعضهم يصرفه لذلك إلى ما يريده، لأنك تجد أعقل الناس في شيء وأعرفهم به أشدهم بلادة في شيء آخر، وأغباهم في شيء أذكاهم في شيء آخر - فاعتبر ذلك، وبذلك انتظم أمر الخلق في أمر معاشهم بالعلوم والصنائع والأحوال - والله الهادي، وهذه الآية تدل على أن الله سبحانه وتعالى منزه عن التركيب والصورة لأنه لو كان في شيء منهما لكان هو الأحسن لأن كل صفة يشترك فيها الخلق والحق فالمبالغة للحق كالعالم والأعلم والكريم والأكرم - قاله الأستاذ أبو القاسم القشيري في تفسيره، وصيغة ( أفعل ) لا تدل على ما قاله الزنادقة، وإن عزي ذلك إلى بعض الأكابر من قولهم : ليس في الإمكان أبدع مما كان،


الصفحة التالية
Icon