صفحة رقم ٥٥٦
وكثير من حيث إن الفعل نكرة في سياق النفي فقال :( ولا أنتم عابدون ) أي عبادة معتداً بها بحيث يكون أهلاً لأن تكون وصفاً ثابتاً.
ولما كانوا لانوزاع لهم في أن معبوده عالم، وكانت ( ما ) صالحة للإطلاق عليه سبحانه وتعالى، عبر فيه أيضاً بها لأن ذلك - مع أنه لا ضرر فيه - أقرب إلى الإنصاف، فهو أدعى إلى عدم المراء أو الخلاف - فقال :( ما أعبد ) أي الآين وما بعده لأن معبودي - وله العلم التام والقدرة الشاملة - أبعدكم عنه فلا مطمع في الوفاق بيننا.
ولما كان ما نفى عن النبي ( ﷺ ) لا يدخل فيه الماضي، وكان عدم المشاركة بوجه من الوجوه في زمن من الأزمان أدل على البراءة وأقعد في دوام الاستهانة، وكانوا يعدون سكوته ( ﷺ ) عنهم فيما قبل النبوة عبادة، وكانوا غير مقتصرين على عبادة أصنامهم التي اتخذوها، بل إذا خرجوا من الحرم فنزلوا منزلاً نظروا لهم حجراً ليستحسنوه فيعبدونه، فإن لم يروا حجراً جمعوا شيئاً من تراب وحلبوا عليه شيئاً من لبن وعبدوه ما داموا في ذلك المنزل، وكان ذلك من أشد ما يعاب به من جهة عدم الشباب وأنه لا معبود لهم معين، قال منبهاً على ذلك كله :( ولا أنا عابد ) أي متصف بعبادة ) ما عبدتم ) أي فيما سلف، لم يصح وصفي قط بعبادة ذلك من أول زمانكم إلى ساعاتنا هذه، فكيف ترجون ذلك مني وأنا لم أفعله ولا قبل النبوة ولا كان من شأني قط.
ولما كان هو ( ﷺ ) ثابتاً على إله واحد لم يعبد غيره ولم يلتفت يوماً لفت سواه، وكان قد انتفى عنه بالجملتين هذه الماضية التي أول السورة أن يعبد باطلهم حالاً أو مآلاً، وأن يكون عبده قبل ذلك، وكان ربما ظن ظان أن النفي عنهم إنما هو لعبادة معبوده في الحال، نفى ذلك في الاستقبال أيضاً علماً من أعلام النبوة مع تأكيد ما أفادته الجملة الماضية جرياً على مناهيج العرب في التأكيد قطعاً لآمالهم منه على أتم وجه وآكده لأنه على وجه لا يقدرون عليه لما تفيده كل جملة مع التأكيد من فائدة جديدة مهمة، فقال :( ولا أنتم عابدون ) أي عبادة هي لكم وصف معتد به في الحال أو الاستقبال.
ولما لم يكن قبل البعث مشهوراً عندهم بعبادة الله سبحانه وتعالى، عبر بما لا يتوجه لهم إليه إنكار، وهو المضارع الذي ظاهره الحال أو الاستقبال مراداً به ما يشمل الماضي لما ذكر أبو حيان وغيره في سورة الحج عند
٧٧ ( ) إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ( ) ٧
[ الحج : ٢٥ ] من أنه يطلق المضارع مراداً به مجرد إيقاع الفعل منغير نظر إلى زمان معين، قال :( ما أعبد ) أي وجدت مني عبادته واتصفت بها الآن وفي ماضي الزمان ومستقبله اتصافاً يعتد به.