صفحة رقم ٦٨
الكلام :( فارجع البصر ) أي بعد ترديدك له قبل ذلك، ودل بتوجيه الخطاب نحو أكمل الخلق ( ﷺ ) في السمع والبصر والبصيره وكل معنى إلى أن ذلك لا شبهة فيه.
ولما كان السؤال عن الشيء يدل على شدة الاهتمام بالبحث عنه، نبه على أن هذا مما اشتدت عناية الأولين به فقال :( هل ترى ) أي في شيء منها.
ولما كان هذا الاستفهام مفيداً للنفي، أعرق في النفي بقوله :( كم فطور ) أي خلل بشقوق وصدوع أو غيرها لتغاير ما هي عليه لتغاير ما هي عليه وأخبرت به من تناسبها واستجماعها واستقامتها ما يحق لها مما يدل على عزة ما فيها وبليغ غفرانه، وهذا أيضاً يدل على إحاطة كل منها بما دونه فإنه لو كان لها فروج لفاتت المنافع التي رتبت لها النجوم المفرقة في طبقاتها أو بعضها أو كمالها، فالهواء وجميع المنافع منحبسة فيها محوطة بها مضطربة متصرفة فيها على حسب التدبير والحيوان في الهواء كالسمك في الماء، أو انحبس الهواء عنه لمات كما أنه لو انكشف الماء عن السمك لمات.
الملك :( ٤ - ٧ ) ثم ارجع البصر.....
) ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ( ( )
ولما كان في سياق المجازاة بالأعمال الصالحة والطالحة التي دل عدم الانتصاف من الظالمين في هذه الدار على أنها تكون بعد البعث وكانت العزة مقتضية لذلك، وكان خلقه سبحانه وتعالى هذا الوجود على هذا النظام مثبتاً لها، واكنت أعمالهم أعمال المنكر لها، ولا سيما تصريحهم بأنه لا بعث، دل على عظمة عزته بما أبدعه من هذا السقف الرفيه البديع، ثم بجعله محفوظاً هذا الحفظ المنيع، على تعاقب الأحقاب وتكرر السنين، فقال معبراً بأداة التراخي دالاً على جلاله بإدامة التكرير طول الزمان :( ثم ارجع البصر ( وأكد ماأفهمته الآية من طلب التكرير بقوله تعالى :( كرتين ) أي مرتين أخريين - هذا مدلولها لغة، وبالنظر إلى السياق علم أن المرد مرة بعد مرة لا تزال تكرر ذلك لارتياد الخلل لا إلى نهاية، كما أن ( لبيك ) مراد به به إجابة إلى غير غاية، وعلى ذلك دل قوله سبحانه وتعالى :( ينقلب إليك ) أي من غير اختيار بل غلبة وإعياء وانكسار ) البصر خاسئاً ) أي صاغراً مطروداً ذليلاً بعيداً عن إصابة المطلوب ) وهو ) أي والحال أنه ) حسير ) أي كليل تعب معيى من طول المعاود وتدقيق النظر وبعد المسرح، وإذ كان هذا الحال في بعض المصنوع فكيف يطلب العلم بالصانع في كماله من جلاله وجماله، فكيف بمن يتفوه بالحلول أو الاتحاد حسبه جهنم وبئس المهاد.


الصفحة التالية
Icon