صفحة رقم ٨٤
ما كان عليه الزرع أولاً، فقال مستأنفاً بياناً لأنه دليل برأسه كاف فيما سبق له :( قل هو ) أي وحده ) الذي ذرأكم ) أي خلقكم وبثكم ونشركم وكثركم وأنشأكم بعد ما كنتم كالذر أطفالاً ضعفاء، ثم قواكم ثم جعلكم شيباً ضعفاء وأسكنكم الغضب والذعر واللجاج الحامل لكم على الولوع بما يلجئ إيله الطباع المثيرة ) في الأرض ( التي تقدم أنه ذللها لكم ورزقكم منها النبات الذي تقدم أن إبداءه منها ثم رده إليها وإفنائه فيها ثم إعادته كما كان بعد أن صار رفاتاً وشيئاً فانياً مماتاً دليل على القدرة على البعث، لا فرق في ذلك بينه وبينكم أصلاً، فكان منه البدأ ) وإليه ( وحده ) تحشرون ( شيئاً فشيئاً إلى البرزخ ودفعة واحدة يوم البعث على أيسر وجه بمن أراد من عباده كرهاً منكم كما كان أمركم في الدنيا، فإنه لم يكن إلى الإنسان منكم أحب من العدة والسكون، فكأنه سبحانه يضطره بما أودعه من الطبائع المتضادة وأثار له من الأسباب في طلب رزقه وغير ذلك من أمره إلى السعي إلى حيث يكره، فكما أنه قدر على ذلك منكم في الابتداء فهو يقدر على مثله في الانتهاء، ليحكم بينكم ويجازي كلاًّ على عمله كما يفعل كل ملك برعيته، وكل إنسان منكم بجماعته.
ولما كان التقدير : فلقد سبحانه في وعظهم بنفسه وعلى لسانك يا أشرف الخلق ( ﷺ ) وذلك بما هدى إيله السياق قطعاً، ذكر حالهم عند ذلك فقال إعلاماً بكثافة طباعهم حيث لم تلطف أسرارهم لقبول محبة الله تعالى وإثارة الأحوال الحسنة من الصبر المثبت واليقين وحسن الانطباع لقبول النصائح والخوف وعدم الاعتزاز بأحد غير الله تعالى من وجه نفع أو ضر، وكذلك لفت القول إلى الإعراض إيذاناً بشديد الغضب منهم :( ويقولون ) أي يجددون هذا القول تجديداً مستمراً استهزاء وتكذيباً، ويجوز أن يكون حالاً من الواو في ( بل لجوا ) :( متى هذا ( وزادوا في الاستهزاء بقولهم ) إن كنتم ( جبلة وطبعاً ) صادقين ( في أنه لا بد لنا منه، وأنكم مقربون عند الله، فلو كان لهم ثبات الصبر واليقين لما طاشوا هذا الطيش بإبراز هذا القول القبيح الذي ظاهره طلب الإخبار بوقت الأمر المتوعد به، وباطنه الاستعجال به استهزاء وتكذيباً.
ولما كان قولهم هذا مع أنه استعجال بأمر الساعة استهانة بها حتى أنه عندهم كأنها من قبل الوعد الحسن وهو متضمن لإيهام أنها مما يطلع الخلق على تعيين وقته، فنى ذلك بياناً لعظمتها بعظمة من أمرها بيده فقال آمراً له بجوابهم مؤذناً ذلك الإعراض لأنهم لا ينكرون علمه تعالى ذلك الإنكار :( قل ( يا أكرم الخلق منبهاً لهم على تحصيل اليقين بأن ما علموه وحكموا بعلمهم فيه وما لا ردوا علمه إلى الله :( إنما


الصفحة التالية
Icon