صفحة رقم ٨٥
العلم ) أي المحيط من جميع الوجوه بما سألتم عنه من تعيين زمان هذا الوعد وغيره، ولأجل إظهار فضل العلم اللازم من كماله تمام القدرة صرف القول عن عموم الرحمة إلى إفهام العموم المطلق بالاسم الأعظم فقيل :( عند الله ) أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال، فهو الذي يكون عنده وبيده جميع ما يراد منه، لا يطلع عليه غيره، وهيبته تمنع العالم بما له من العظمة أن يجترئ على سواله عما لم يأذن فيه، وعظمته تقتضي الاستئثار بالأمرو العظام، وإلى ذلك يلوح قوله تعالى :( وإنما أنا ( ولما كان السياق للتهويل والتخويف، وكانت النذارة يكفي فيها تجويز وقوع المنذور به فكيف إذا كان مظنوناً فكيف إذ كان معلوم الوقوع في الجملة ليكون العاقل متوقعاً له في كل وقت قال :( نذير ) أي كامل في أمر النذارة التي يلزم منها ا لبشارة لمن أطاع النذر لا وظيفة لي عند هذا الملك الأعظم غير ذلك، فلا وصول لي إلى سؤاله عما لا يأذن لي في السؤال فيه.
ولما كان النذير قد لا يقدر على إقامة الدليل على ما ينذر به لأنه يكفي العاقل في قبوله غلبة الظن بصدقه بل إمكان صدقه في التحرز عما ينذر به، بين أنه ليس كذلك فقال :( مبين ) أي كاشف للنذري غاية الكشف بإقامة الأدلة عليها حتى تصير كأنها مشاهدة لمن له قبول اللعلم.
ولما كان ما ينذر به لا بد من وقوعه، وكان كل آت قريباً، عبر عن ذلك بالفاء والماضي فقال صارفاً العقول إلى الإعراض لأن الرؤية للعذاب في غاية المناسبة للإهانة :( فلما رأوه ) أي الوعد بانكشاف الموعود به عند كونه، وحقق معنى الماضي والفاء بقوله :( زلفة ) أي ذا قرب عظيم منهم، وذلك بالتعبير عن اسم الفاعل بالمصدر إبلاغاً في المعنى المراد وأكد المبالغة بالتاء لأنها ترد للمباغلة إذا لم يرد منها التأنيث، ولا سيما إن دلت قرية أخرى على ذلك.
ولما كان المخوف في النذري الوقوع في السوء لا بقيد كونه من معين قال :( سيئت ( ولما كان السوء يظهر في الوجه قال :( وجوه ( وأظهر في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال :( الذين كفروا ) أي ظهر السوء وغاية الكراهة في وجوه من أوقع هذا الوصف ولو على أجنى الإيقاع وعلتها الكآبة.
ولما كان لا أوجع من التبكيت عند إحاطة المكروه من غير حاجة إلى تعيين فاعله، بنى للمفعول قوله :( وقيل ) أي لهم تقريعاً وتوبيخاً :( هذا الذي ) أي تقدم من عنادكم ومكركم واستكباركم ) كنتم ) أي جبلة وطبعاً ) به ) أي بسببه ومن أجله، وصرف القول إلى الخطاب لأن التقريع به أنكأ في العذاب :( تدعون ) أي تطلبون


الصفحة التالية
Icon