وبهذا يتبين أن العكبري عد الالتفات من الخطاب إلى الغيبة حاصلا على قراءة الياء) يرونهم }، وأما قراءة التاء)ترونهم (فلا التفات فيها.
وقد يكون الالتفات مرتبطا بتصريف الفعل في الجملة وإعرابها كما في قوله تعالى ") قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فان الله لا يحب الكافرين }
(آل عمران / ٣٢)، يقول العكبري: " قوله تعالى)فإن تولوا (يجوز أن يكون خطابا، فتكون التاء محذوفة ؛ أي فإن تتولوا، وهو خطاب كالذي قبله ويجوز أن يكون للغيبة فيكون لفظه لفظ الماضي " (العكبري، التبيان: ١/٢٥٣). فيكون رجوعا من الخطاب في أول الآية) أطيعوا (إلى الغيبة بقوله:) فإن تولوا (؛ إذا فاعتبار الفعل) تولوا (أهو مضارع أو ماض هو الذي جعل أبا البقاء يعتبر الأسلوب غيبة أو خطابا ؛ ومن ثم سيكون التفاتا أمْ لا.
ولم يبين العكبري شيئا من بلاغة الالتفات في المواطن التي ذكرها ؛ فعند قوله تعالى:)ألم يروا كم أهلكنها من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ((الأنعام / ٦) يعلق أبو البقاء بقوله: ") ما لم نمكّنْ لكم (رجع من الغيبة في قوله) ألم يروا (إلى الخطاب في) لكم (، ولو قال لهم لكان جائزا " (العكبري، التبيان: ١/٤٨)، ولم يذكر العكبري السر في هذا الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، كرفع الإشكال والتوهم من الضمائر المتشابهة في الآية مثلا. ويكتفى بهذا القدر من دراسة كتاب " التبيان في إعراب القرآن ".
ثانيا : الالتفات في " إملاء ما منَّ به الرحمن "
إنّ أسلوب العكبري في كتابه " إملاء ما منَّ به الرحمن " في تناول الالتفات لا يختلف عن أسلوبه في كتابه السابق " التبيان"، بلْ إنّ عباراتٍ كثيرة ذكرها في " التبيان" كررها نفسها في " الإملاء" ؛ فما ذكره عن الالتفات عند إعرابه لسورة الفاتحة هو تكريرٌ لما ذكره في التبيان (العكبري، إملاء ما منّ به الرحمن: ١/٤).