ولم يتعرض العكبري للالتفات من الغيبة إلى التكلّم أو العكس إلا في موضع واحدٍ ؛ وذلك عند إعرابه لقوله تعالى:) سبحانَ الذي أسرى بعبدهِ ليلا منْ المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقْصى الذي باركْنا حوله لنُرِيَهُ منْ آياتِنا إنّهُ هوَ السميعً البصيرُ ((الإسراء / ١) حيثُ قالَ فيها: ") لنريه(بالنون لأن الذي قبلهُ إخبارٌ عن المتكلم، وبالياء لأنّ أول السورة على الغيبة،
وكذلك خاتمة الآية، وقد بدأ في الآية بالغيبة وختم بها، ثمّ رجعَ في وسطها إلى الإخبار عن النفس فقال) باركنا (و { من آياتنا(والهاء في) إنّه(لله تعالى " (العكبري، إملاء ما منّ به الرحمن: ٢/٤٦).
ونلاحظ أنّ أبا البقاء تبعا لموضوع كتابه وهو إعراب القرآن لم يفصل أو يتحدّث عن الأسرار للبلاغية للرجوع - كما يسمي الالتفات - بكل أنواعه.
وعل كلٍ فإنّ جهود العكبري كنحوي في دراسة الالتفات يشكر عليها، وإنْ كانت لم تتبلور وتوضح كما تبلورت وتوضحت عند البلاغيين كابن المعتز وأسامة بن المنقذ وابن الأثير وغيرهم ٠
خصائص دراسات اللغويين والنحاة لموضوع الالتفات
من خلال استعراض جهود أشهر اللغويين والنحاة الذين تعرضوا لدراسة الالتفات في كتبهم اللغوية والنحوية تبيّنت عدة صفات تميّزتْ دراستهم بها، وهي:
أولا : لم يذكر أحدٌ منْ اللغويين أو النحاة الالتفات باسمه في أي من كتبهم، وكانوا يطلقون عليه الرجوع أو التحويل أو الترك، ولم يكونوا يحددونه أو يُعرّفونه كما هو الحال عند البلاغيين.
ثانيا : لم يتعمّقْ أي من اللغويين أو النحاة في دراسة الالتفات في كتبهم، وإنّما كان حديثهم عنه إشاراتٍ مجملة ولمحاتٍ قصيرة، وكانت دراستهم أو تعرضهم له تبعا لدراستهم اللغوية أو النحوية، أو لتوجيه القراءات في الآيات الكريمة التي يتعرضون لها في أبحاثهم.


الصفحة التالية
Icon