من المعروف أنّ الالتفات كأسلوبٍ بلاغي كان معروفا عند العرب في الجاهلية، ولكنه لم يكن يُعرف بهذا الاسم، ولعلَّ أول من أطلق عليه هذا الاسم (الأصمعي)(١) دون أن يذكر له تعريفا ؛ فقد روى العسكري قال: أخبرنا أبو محمدٍ قال: أخبرني محمد بن يحيى الصولي... قال: قال الأصمعي: أتعرف التفاتات جرير؟ قلت: لا، فما هي؟ قال:
أتنسى إذ تواعدنا سُليْمى بعودِ بشامةٍ سقيَ البشامُ (٢)
ألا تراه مقبلا على شعره... ثمّ التفت إلى البشام فدعا له. وقوله:
طربَ الحمامُ بذي الأراكِ فشاقني لا زلت في غللٍ وأيكٍ ناضرٍ(٣)
فالتفت إلى الحمام فدعا له(٤).
ولكن الالتفات كأسلوبٍ بياني قد ذكره بعض اللغويين في كتبهم قبل الأصمعي، من غير أن يسمّوه، وقد درسوه في كتبهم من خلال وروده في القرآن الكريم والأدب عموما، ومن هؤلاء: أبو عبيدة معْمَر بن المثنى في كتابه " مجاز القرآن"، والفراء في " معاني القرآن "، والأخفش الأوسط في " معاني القرآن "، والمبرد في " الكامل في اللغة والأدب "، وابن فارس في " فقه اللغة "، والعكبري في " التبيان في إعراب القرآن" و" إملاء ما منّ به الرحمن"، وابن قتيبة في " تأويل مشكل القرآن"، وهذا ما سيتناوله الباحث في الصفحات القادمة بإذن الله.
١. الالتفات في مجاز القرآن:
يعتبر أبو عبيدة (ت: ٢٠٨هـ) من أوائل اللغويين الذين تحدّثوا عن الالتفات، وذكر له أمثلة من القرآن الكريم والشعر العربي. (ولا تزال الأمثلة التي أشار إليها أبو عبيدة تتردد في كتب البلاغة إلى الآن) (٥)، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:
﴿ حتى إذا كنتم في الفلكِ وجرينَ بهم بريحٍ طيّبةٍ) ﴾ يونس /٢٢) التي اعتبرها أبو عبيدة " من مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تركت وحوّلت إلى الغائب " (أبو عبيدة: ١/١١)، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: