﴿ ثمّ ذهب إلى أهله يتمطى* أولى لك فأولى ﴾ (القيامة: ٣٣-٣٤) التي يمثل بها على أنها " من مجاز ما جاء خبره عن غائب، ثم خوطب الشاهد ". (أبو عبيدة: ١/٢٣- ٢٤).
وعند تعرض أبي عبيدة لتفسير سورة الفاتحة ذكر ما فيها من التفات مؤيدا ذلك بذكر أشعار ورد فيها هذا الأسلوب البلاغي ؛ وقال:" ومجاز جرِّ ﴿ مالكِ يوم الدين ﴾ أنه حدث عن مخاطبة غائبٍ، ثمّ رجع فخاطب شاهدا فقال: ﴿ إياك نعبدُ وإياك نستعين اهدنا ﴾، قال عنترة بن شداد: (الكامل)
شطّتْ مزارُ العاشقينَ فأصبحتْ عَسِرا عليّ طربكِ ابنةَ مخرم (٦)
ولما تعرض لقوله تعالى ﴿ ذلك الكتابُ ﴾ (البقرة /٢) قال: " معناه هذا القرآن، وقد تخاطب العرب الشاهد فتظهر له مخاطبة الغائب، قال خفاف بن ندبة السلمي: (الطويل)
فإن تكُ رمحي قد أصيبَ جميعها فعمدا إلى عين تيمّمتُ مالكا
أقولُ له والرمحُ يأطرُ متنهُ تأمّل خفافا إنني أنا ذلكا " (٧)
ونلاحظ أن أبا عبيدة لم يضع تعريفا للالتفات، وكان يسميه الترك أو التحويل أو الرجوع، كما أن أبا عبيدة لم يتعرض في " مجازه" للحديث عن كل أنواع الالتفات، لم يتطرق للالتفات من ضمير الغيبة إلى ضمير التكلم في القرآن الكريم أو العكس في أي موطن من المواطن، ولم يذكر شيئا عن الالتفات من ضمير الخطاب إلى ضمير التكلم في القرآن الكريم أو العكس.
ولم يشر أبو عبيدة من قريبٍ أو بعيد إلى أي سر من أشرار الالتفات في أي نوعٍ من أنواعه، ورغم كل ذلك فإنّ أبا عبيدة يُعتبر بحق من أوائل من أظهر أسلوب الالتفات في كتابٍ مُؤلف، وكان من بعده عالة عليه.
٢. الالتفات في " معاني القرآن " للفراء …