ذكر أبو زكريا الفراء (ت: ٢٠٧هـ) في " معاني القرآن " الالتفات، ولكنه لم يسمه بهذا الاسم، كما أنه لم يذكر له تعريفا محددا. وقد تأثر الفراء بأبي عبيدة في الأمثلة التي ذكرها للالتفات، غير أنه زاد عليها الكثير منه آيات القرآن الكريم ؛ فعند قوله تعالى:) قد كانَ لكمْ آية في فئتين التقتا فئةٌ تقاتلُ في سبيل الله وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهمْ رأي العين ((آل عمران/ ١٣) قال: " ومن قرأ) ترونهم (ذهب إلى اليهود لأنه خاطبهم، ومن قال) يرونهم (فعلى ذلك، كما قال) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم (" (الفراء١/١٩٥) ويذكر ما في قوله تعالى من الالتفات:) كلا بل تحبّون العاجلة* وتذرون الآخرة((القيامة/ ٢٠- ٢١) بقوله: "رويت عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -)بل تحبون وتذرون(بالتاء، وقرأها ابن كثير)بل يحبون (بالياء، والقرآن يأتي على أن يخاطب المنزل عليهم أحيانا، وحينا يجعلون كالغيب كقوله:
) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبةٍ (" (الفراء٣/٢١١-٢١٢) ويبين الفراء القراءات في الآية، وتوجيه كل قراءة، مبينا معناها في كلٍ، كقوله تعالى:) لتركبنّ طبقا عنْ طبق } (الانشقاق /١٩) إذ قال: " وقرئتْ) ليركبنّ طبقا عنْ طبق (ومعانيهما معروفة، لتركبنّ كأنه خاطبهم، وليركبنّ كأنه أخبر عنهم " (الفراء ٣/٢٥٢، ١/٥٤).
ويلاحظ على الفراء أنّه لم يتعرض إلا لنوعٍ واحدٍ من أنواع الالتفات وهو الالتفات من الغيبة إلى الخطاب أو من الخطاب إلى الغيبة، كما أنه لم يبرز جمال الالتفات وبلاغته في كل موطن ورد فيه.
٣. الالتفات في " معاني القرآن " للأخفش الأوسط