تحدث أبو الحسن الأخفش (ت: ٢١٥ هـ) عن الالتفات في مواضع محددة من كتابه " معاني القرآن"، ولم يذكر له اسما، كما هو دأب من سبقه من النحاة واللغويين. فمن ذلك قوله: ") وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ( (البقرة/ ٨٣)، قم قال:) وقولوا للناس حُسنا }، ثم قال:)ثمّ توليتم إلا قليلاً(فلأنه كأنه خاطبهم من بعد ما تحدث عنهم" (الأخفش ١/١٢٩).
والأخفش الأوسط يستشهد على أسلوب الالتفات بكثير من الشعر العربي، يقول بعد أن علّق على الآية السابقة:" وذا في الكلام والشعر كثير.
قال الشاعر: (الطويل)
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقليّة إنْ تقلّتِ(٨)
وإنّما يريدُ إنْ تقليتِ، وقال الآخر: الكامل
شطّتْ مزارُ العاشقينَ فأصبحتْ عَسِرا عليّ طلابكِ ابنةَ مخرم(٩)
إنما أراد: فأصبحت ابنة مخرم عسرا على طلابها، وجاز أن يجعل الكلام كأنه خاطبها، لأنه حين قال: شطت مزار العاشقين، كأنه قال: شططتِ مزار العاشقين، لأنه إياها يريد بهذا الكلام، ثم يقول: " ومثله (أي ومثل هذا الأسلوب) مما يخرج من أوله، قوله :(الرجز)
إن تميما خُلقت ملوما (١٠)
فأراد القبيلة بقوله (خُلقت) ثم قال (ملوما ) على الحي أو الرجل
(الفراء ١/١٣٠)، ثم قال:" وفي كتاب الله عز وجل:) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم (فأخبر بلفظ الغائب، وقد كان في المخاطبة، لأنّ ذلك يدل على المعنى... وكذلك) الحمد لله رب العالمين (ثم قال:) إياك نعبد (لأنّ الذي أخبر عنه هو الذي خاطب " (الفراء ١/١٣١-١٣٢)، وقال الله تبارك وتعالى:) ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } (الذاريات/١٤) فذكّر بعد التأنيث، كأنه أراد: هذا الأمر الذي كنتم تستعجلون. ومثله) فلما رأى الشمسَ بازغةً قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت ((الأنعام / ٧٨)، فيكون) هذا (على (الذي أرى ربي) أي هذا الشيء ربي (الأخفش الأوسط ١/ ١٣٢-١٣٣).