وأرى أن الأخفش قد خلط بين الالتفات وغيره من الأساليب البلاغية، ولعله في ذلك معذور؛ إذ لم يكن في عصره قد حصل هذا التحديد والتمييز للالتفات عن غيره من الأساليب البيانية. فقد أدخل التذكير في موضع التأنيث كما في الآيتين الأخيرتين في أسلوب الالتفات.
وكما رأينا من الأخفش، فقد تحدث وذكر آياتٍ كريمةٍ تحتوي على أسلوب الالتفات من ضمير الغيبة إلى الخطاب وبالعكس، كما ذكر أشعارا تدلُ على ذلك، وكنا نودّ أن يتحفنا الأخفش بالنكات البلاغية لأسلوب الالتفات في الآيات الكريمة أو حتى في الأشعار التي ذكرها، ولكنه لم يفعل. غير أنه يظلُ له فضل في إبراز أسلوب الالتفات كأسلوبٍ بياني معروفٍ في الكتاب العزيز وفي الشعر العربي.
٤. الالتفات في " تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة
تحدّث ابن قتيبة الدينوري (ت: ٢٦٧ هـ) عن الالتفات في كتابه " تأويل مشكل القرآن "، وذلك في " باب مخالفة ظاهر اللفظ معناه" حيث قال:
" ومنه أن تخاطب الشاهد بشيءٍ، ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب كقوله عز وجل:) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم (، وقوله:) وما آتيتم من زكاةٍ تُريدونَ وجه اللهِ فأولئكَ هم المضعفون ((الروم/ ٣٩)، وقوله: { ولكنّ الله حبّبَ إليكم الإيمان وزينهُ في قلوبكم (، ثم قال:) أولئكَ هم الراشدون(
(الحجرات /٧)، قال الشاعر:
يا دار ميّةَ بالعلياءِ فالسند أقوتْ وطال عليها سالفُ الأمد
وكذلك أيضا تجعل خطابَ الغائب للشاهد، كقول الهذلي:
يا ويحَ نفسي كأنّ جدّةَ خالدٍ وبياضَ وجهكَ للترابِ الأعفر (١١)
وترى أنّ ابن قتيبة لم يزد في الالتفات عمن سبقه سواء بذكر الأمثلة من القرآن الكريم أو من الشعر، ولم يأت لنا بجديد في ذلك، فلم يظهر شيئا من بلاغة هذا الأسلوب، أو يأتي بأمثلة جديدة عليه.
٥. الالتفات في الكامل للمبرد
وقد أورد أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (ت: ٢٨٥هـ) في كتابه الالتفات تعقيبا وشرحا لشعر الأعشى إذ قال: