وأمتعني على العشا بوليدةٍ فأبْتُ بخيرٍ منك يا هوذَ حامدا
يقول المبرد: " فإنّه كان يتحدّثُ عنه، ثمّ أقبلَ عليه يخاطبه، ترك تلك المخاطبة، والعرب تتركُ مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشاهد، ومخاطبة الشاهد إلى مخاطبة الغائب " (المبرد ٣/ ٢٢-٢٣) قال الله عز وجل) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيبةٍ (كانت المخاطبة للأمة، ثم صرفت للنبي - ﷺ - إخبارا عنهم.
قال عنترة: (الكامل)
شطّتْ مزارُ العاشقينَ فأصبحتْ عَسِرا عليّ طلابكِ ابنةَ مخرم
فكان يتحدث عنها، ثم خاطبها، ومثل ذلك قول جرير:
وترى العواذلَ يبتدرنَ ملامتي فإذا أردتُ سوى هواكِ عُصينا
فأنت ترى أنّ المبرد لم يأتِ بجديد في موضوع الالتفات سواء في تحديده وتسميته، أو ببيان أنواعه الأخرى، غير الالتفات من الخطاب إلى الغيبة أو العكس، أو يوضح لنا بلاغة هذا الأسلوب في الآيات القرآنية أو الأشعار التي نقلها عن أبي عبيدة والفراء.
٦. الالتفات في" فقه اللغة " لابن فارس
عرض أحمد بن فارس (ت: ٣٩٥ هـ) الالتفات من غير أن يسميه، فذكر له نوعين فقط ؛ الأول بقوله: " باب تحويل الخطاب من الشاهد إلى الغائب "، ثم قال: " العرب تخاطب الشاهد، ثم تحوّل الخطاب إلى الغائب، كقول النابغة:
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد
فخاطب ثم قال أقوت " (ابن فارس ١/٢١٥).
ذكر ابن فارس أمثلة لهذا النوع من الالتفات من الآيات الكريمة التي استشهد بها من سبقه كأبي عبيدة والأخفش والفراء، أما النوع الثاني فقال فيه: " باب تحويل الخطاب من الغائب إلى الشاهد " (ابن فارس ١/٢١٥). ثم ذكر أمثلة مكرورة ذكرها اللغويون والنحاة السابقون من أشعار كقول الهذلي وعنترة.
وبهذا نجد أن ما كتبه احمد بن فارس في " فقه اللغة " لم يقدم جديدا في اللغة والأدب في موضوع الالتفات، وأنه في كل ما كتبه لم يزد عن من سبقه من الأدباء في شيءٍ.


الصفحة التالية
Icon