كما أن الصوم ثمرته تطهير النفس، و ثمرة الزكاة تطهير المال، و ثمرة الحج وجوب المغفرة، و ثمرة الجهاد تسليم النفس إليه، التي اشتراها سبحانه من العباد، و جعل الجنة ثمنها ؛ فالصلاة ثمرتها الإقبال على الله، و إقبال الله سبحانه على العبد، و في الإقبال على الله في الصلاة جميع ما ذكر من ثمرات الأعمال و جميع ثمرات الأعمال في الإقبال على الله فيها. و لهذا لم يقل النبي صلى الله عليه و سلم : جعلت قرة عيني في الصوم، و لا في الحج و العمرة، و لا في شيء من هذه الأعمال و إنما قال :" و جعلت قرة عيني في الصلاة (١)". و تأمل قوله :" و جعلت قرة عيني في الصلاة " و لم يقل :" بالصلاة "، إعلاماً منه بأن عينه لا تقر إلا بدخوله كما تقر عين المحب بملابسته لمحبوبه و تقر عين الخائف بدخول في محل أنسه و أمنه، فقرة العين بالدخول في الشيء أكمل مِن قرة العين به قبل الدخول فيه. و الفرق بين مَن كانت الصلاة لجوارحه قيداً ثقيلاً، و لقلبه سجناً ضيقا حرجاً، و لنفسه عائقا، و بين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيماً، و لعينه قرة و لجوارحه راحة، و لنفسه بستاناً و لذة. فالأول : الصلاة سجن لنفسه، و تقييد لجوارحه عن التورط في مساقط الهلكات، و قد ينال بها التكفير و الثواب، أو ينال من الرحمة بحسب عبوديته لله تعالى فيها، و قد يعاقب على ما نقص منها. و الثاني : الصلاة بستان له، يجد فيها راحة قلبه، و قرّة عينه، و لذَّة نفسه، و راحة جوارحه، و رياض روحه، فهو فيها في نعيم يتفكَّه، و في نعيم يتقلَّب يوجب له القرب الخاص و الدنو، و المنزلة العالية من الله عزَّ و جل، و يشارك الأولين في ثوابهم، بل يختص بأعلاه، و ينفرد دونهم بعلو المنزلة و القربة، التي هي قدر زائد على مجرد الثواب.(٢)

(١) أخرجه الطبرانى (٢٠/٤٢٠، رقم ١٠١٢). من الشاملة
(٢) أسرار الصلاة، لابن قيِّم الجَوزيَّة، ص ٣٩ من الشاملة


الصفحة التالية
Icon