النصر من الله و الفتح القريب، قال الكلبي : يعني النصر على قريش وفتح مكة. وقال عطاء : يريد فتح فارس والروم (١)، أي: إذا قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه، تكفل الله بنصركم. قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد : ٧] وقال تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج : ٤٠] وقوله ﴿ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ أي: عاجل فهذه الزيادة هي خير الدنيا موصول بنعيم الآخرة، لمن أطاع الله ورسوله، ونصر الله ودينه؛ ولهذا قال: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (٢)، وهو نصر فتح مكة فإنه كان نصراً على أشد أعدائهم الذين فتنوهم وآذوهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم وألَّبوا عليهم العرب والأحزاب. وراموا تشويه سمعتهم، وقد انضم إليه نصر الدين بإسلام أولئك الذين كانوا من قبل أئمة الكفر، فأصبحوا مؤمنين إخواناً وصدق الله وعده بقوله :﴿ عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ﴾ [ الممتحنة : ٧ ] وقوله :﴿ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً (٣)﴾. ووصف الفتح ب ﴿ بقريب ﴾ تعجيل بالمسرة. وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الإِخبار بالغيب (٤). هنا تبلغ الصفقة ذروة الربح الذي لا يعطيه إلا الله. الله الذي لا تنفد خزائنه، والذي لا ممسك لرحمته. فهي المغفرة والجنات والمساكن الطيبة والنعيم المقيم في الآخرة. وفوقها.. فوق البيعة الرابحة والصفقة الكاسبة النصر والفتح القريب.. فمن الذي يدله الله على هذه التجارة ثم يتقاعس عنها أو يحيد؟! (٥). و لعل هذا النصر و الفتح القريب من زيادة الفضل من الله تعالى على
(٢) تفسير ابن كثير، ج ٨ ص ١١٢
(٣) آل عمران : ١٠٣
(٤) تفسير ابن عاشور، ج ١٥ ص ٦٩
(٥) في ظلال القرآن، ج ٧ ص ١٩٩