و هذا الحث على التجارة واضح في ندائه للمؤمنين بقوله في سورة النساء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ.. ) ففي هذه الآية إبانةٌ من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوِّفة المنكرين طلبَ الأقوات بالتجارات والصناعات، لأن الله تعالى حرّم أكلها بالباطل وأحلها بالتجارة، وهذا بيّن (١).
وتخصيصها بالذكر من بين سائر أسباب الملك لكونها أغلب وقوعاً وأوفق لذوي المروءات، وقد أخرج الأصبهاني عن معاذ بن جبل قال :« قال رسول الله ﷺ : أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا » و روي عن رسول الله ﷺ : تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي (٢).
و روي عن النبي ﷺ يا معاشر قريش لا يغلبنكم الموالى على التجارة فإن الرزق عشرون بابا تسعة عشر منها للتاجر وباب واحد للصانع وما أملق تاجر صدوق إلا تاجر حلاف مهين (الديلمى وابن النجار عن ابن عباس) (٣).
المبحث الثاني : حرص الناس على هذه التجارة و حبها إليها
وهذا الحرص من طبيعة الإنسان، فإنه جبل على حب المال و المادة و كل ما يحتاجه في هذه الحياة من متعة دنيوية، قال تعالى :(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) أي: وإنه لحب الخير -وهو: المال-لشديد. وفيه مذهبان: أحدهما: وإنه لشديد المحبة للمال. والثاني: وإنه لحريص بخيل؛ من محبة المال وكلاهما صحيح(٤).

(١) تفسير القرطبي، ج ١ ص ١٣٣٤، من الشاملة.
(٢) تفسير الألوسي، ج ٤ ص ٢٩
(٣) الجامع الكبير للسيوطي، ٢٧٣٢٥
(٤) تفسير ابن كثير، ج ٨ ص ٤٦٧


الصفحة التالية
Icon