و في سورة الجمعة أخبرنا الله تعالى بهذه الصورة في قوله : وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا... ، يعني أسرعوا إلى التجارة (١).
و قد أشكل لنا كيف يترك الصحابة رضوان الله عليهم الرسول ﷺ قائما في خطبة الجمعة ؟ ألم يصلوا معه ؟ و الجواب : إنها كانت لما كان رسول الله ﷺ يقدّم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة (٢)، أي كان رسول الله ﷺ يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتى كان يوم جمعة والنبي ﷺ يخطب، وقد صلّى الجمعة فدخل رجل فقال : إن دِحْيَة بن خليفة الكَلْبي قدم بتجارة، وكان دِحيَة إذا قدم تلقّاه أهله بالدِّفاف؛ فخرج الناس فلم يظنّوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء؛ فأنزل الله عز وجل :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا ﴾. فقدّم النبيّ ﷺ الخطبة يوم الجمعة وأخّر الصلاة، و لم يبق معه إلا أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجَرّاح، وسعيد بن زيد وبلال، وعبد الله ابن مسعود (٣).
و لكن كون النبي ﷺ قدم الصلاة على الخطبة مثل صلاة العيد، أنكره الألوسي وقال ولا أظن صحة هذا الخبر، والظاهر أنه ﷺ لم يزل مقدماً خطبتها عليها، وقد ذكروا أنها شرط صحتها وشرط الشيء سابق عليه، ولم أر أحداً من الفقهاء ذكر أن الأمر كان كما تضمنه ولم أظفر بشيء من الأحاديث مستوف لشروط القبول متضمن ذلك، نعم ذكر العلامة ابن حجر الهيتمي أن بعضهم شذ عن الإجماع على كون الخطبة قبلها والله تعالى أعلم (٤).
(٢) تفسير ابن كثير، ج ٨ ص ١٢٤
(٣) تفسير القرطبي، ص ٥٦٢٠ من الشاملة
(٤) روح المعاني، ج ٢١ ص ١٦