و على كل حال فقد ترك الصحابة النبي ﷺ قائما من أجل التجارة التي قدمت و تحمل ما يحتاجون إليه، و هذا الترك و الانفضاض إلى التجارة لدليل على حرصهم عليها، و ما ذلك إلا لشدة حاجتهم إليها. ولم يظنّوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء (١).
بعد هذا يتبين لنا أن ترك الصحابة رضوان الله عليهم النبي ﷺ قائما في الخطبة بسبب حاجتهم إلى الطعام الذي يحمله دحية ابن خليفة في تجارته، لأن الوقت، وقت الضرورة و الحاجة مع ظنهم أن ذلك ليس بمنهي عنه. ولم ينههم الرسول ﷺ، إنما قال : لو اتبع آخرهم أوّلهم لالتهب عليهم الوادي نارًا. و لم يأمر الله تعالى كذلك بنهيهم، بل أمر النبي بأن يخبر هم أن ما عند الله خير و أبقى لهم من تجارة هؤلاء.
وطعن الشيعة لهذه الآية الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنهم آثروا دنياهم على آخرتهم حيث انفضوا إلى اللهو والتجارة ورغبوا عن الصلاة التي هي عماد الدين وأفضل كثير من العبادات لا سيما مع رسول الله ﷺ، وروي أن ذلك قد وقع مراراً منهم، وفيه إن كبار الصحابة كأبي بكر. وعمر. وسائر العشرة المبشرة لم ينفضوا، والقصة كانت في أوائل زمن الهجرة، ولم يكن أكثر القوم تام التحلي بحلية آداب الشريعة بعد، وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فخاف أولئك المنفضون اشتداد الأمر عليهم بشراء غيرهم ما يقتات به لو لم ينفضوا، ولذا لم يتوعدهم الله تعالى على ذلك بالنار أو نحوها بل قصارى ما فعل سبحانه أنه عاتبهم ووعظهم ونصحهم (٢).
المبحث الثالث : أحكام و آداب التجارة
إن لهذه التجارة أحكام و آداب نستخلصها من الآيات التي فيها كلمة (تجارة)، و قد ذكرت في المبحث عن أقسام التجارة، منها :
المطلب الأول : النهي عن التجارة بالباطل.

(١) تفسير القرطبي، ٥٦٢٠ من الشاملة
(٢) روح المعاني، ج ٢١ ص ١٧


الصفحة التالية
Icon