ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي رحمه الله على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول؛ لأنه يدل على التراضي نَصا، بخلاف المعاطاة فإنها قد لا تدل على الرضا ولا بد، وخالف الجمهورَ في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد وأصحابهم، فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي، وكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعا، فصححوا بيع المعاطاة مطلقا، ومنهم من قال: يصح في المحقَّرات، وفيما يعده الناس بيعا، وهو احتياط نظر من محققي المذهب، والله أعلم (١).
المطلب الثالث : عدم الكتابة في التجارة الحاضرة.
و هذا الحكم من قوله تعالى في أطول الآيات في القرآن و الذي جاء فيها الأمر بالكتابة في الدين، و المعاملة الأخرى و هو قوله تعالى :..... إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا..... ، أي إذا كان البيع بالحاضر يدا بيد، فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها (٢).
ولمّا علم الله تعالى مشقة الكتاب عليهم نصّ على ترك ذلك ورفع الجناح فيه في كل مبايعة بنقد، وذلك في الأغلب إنما هو في قليل كالمطعوم ونحوه لا في كثير كالأملاك ونحوها. وقال السّدِّيّ والضّحاك : هذا فيما كان يداً بيد. و قوله تعالى :﴿ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾ يقتضي التقابض والبينونة بالمقبوض. ولمّا كانت الرِّباع والأرض وكثير من الحيوان لا يقبل البينونة ولا يغاب عليه، حَسُن الكَتْبُ فيها ولحقت في ذلك مبايعة الدَّين؛ فكان الكتاب توثُّقاً لِما عسى أن يطرأ من اختلاف الأحوال وتغيُّر القلوب.
(٢) نفسير ابن كثير، ج ١ ص ٧٢٥